وعندي هاهنا سؤال وجيه :
هل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ) يسميه علماء الحديث وعلى رأسهم الصحابة وكبار التابعين كلاما نبويا أم كلاما إلاهيا قرآنيا ؟؟؟؟؟
فإن أجبتم بأنه كلام نبوي ونقلتم من كلام من نوهت بهم وأشرت إليهم من الصحابة ومن تابعهم من كبار المحدثين الأثبات المرضيين السلفيين ؛ فهنا ينتهي الخلاف ويصبح الاقتباس جائزا مطلقا ويصبح فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حجة لنا في هذا الصنيع ؛ إذ بضم الكلام البليغ إلى كلامنا يصبح من جنس كلامنا ؛ وهذا الذي لا أظن تجدونه بل دونه خرط القتاد ؟؟؟...؟؟؟
وإن قلتم أنه كلام إلاهي وهو ما يشهد به الصحابة وتدل عليه صنائع أئمة الشأن المرضيين فنعلم أن من سماه اقتباسا من المتأخرين إنما من باب تسميتهم ما يخالف بعض الظواهر اللفظية مجازا ونسبة ذلك إلى السلف - تعسفا وارتجالية - وكل ذلك دونه خرط القتاد ؛ والحق الذي لا مفر منه أنه كلام إلهي قولا واحدا ومن نفى طالبناه بالدليل ؟؟؟...؟؟؟
وخلاصة هذه الكلمات أن ما يأتي في كلام الرسول الكريم من كلام رب العزة جل شأنه لا يخلو من ثلاث حالات - والله أعلم - :
الحالة الأولى :
أن يكون من قبيل الاستدلال وهنا لا يجب ذكر الاستعاذة أو البسملة للفصل بين الكلام البشري والكلام الإلاهي ؛ وقد تكون في هذه الحالة المناسبة بين الآية والكلام البشري نفسها أو مقيسة عليها ..
الحالة الثانية :
أن يكون من قبيل التأول للآية ومحاكاة نسقها و حيثيات ومناسبة نزولها على طريق التطابق ؛ ومثل هذه الحالة كثير ..؟؟..
والحالتين الإثنتين لا تخرج فيهما الآية أو الكلام المنقول عن كونه من كلام رب العالمين لفظه ومعناه ونوعه ؟؟..؟؟
الحالة الثالثة :
أن يكون من قبيل ما يساق في الأذكار والمواعظ النبوية والتي لا يوجد فيها كما قرره أهل العلم لفظ مطابق للفظ القرآن ؛ بل كل ما جاء في هذا الباب نجد فيه نوع تغيير من تقديم أوتأخير أو زيادة حرف أو نقصه وهكذا ... المهم أن يتغير نسق الكلام الإلاهي إلى نسق آخر غير الوارد في المنزل المرتل ؛ ولهذا نجد العلماء ومن هذه الحيثية بالذات يوجبون قراءة الأذكار كما هي دون زيادة أو نقصان ؛ بل ينصون نصا على أنها تعبدية بلفظها ومعناها ولا يجوز التصرف فيها بنوع زيادة أو نقصان أو تقديم أو تأخير إلا في حالات ليس هذا مقام بسطها ؛ وهي خارجة عن محل النزاع ...
ومع كل هذا فقد قرر كثير من العلماء المحققين انطلاقا من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ) [ أو كما قال عليه صلوات ربي وسلامه] وقبل هذا قوله تعالى :( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) ؛ فقرروا أن التشابه جاء لأن الكلام النبوي من مشكاة واحدة هو وكلام رب العباد إذ كلاهما وحي ؛ ولذلك فقد يوافق الرسم النبوي الرسم القرآني في لفظه ومعناه ؛ إذ المعِين واحد وهو الوحي الإلاهي ؛ وهذا الذي إن جاز وقلنا أنه من كلام رب الناس وإنما ساقه الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقتبسا فهل نقول أننا يجوز لنا أن نرجع ما زيد فيه إلى أصله والتصرف فيه بنوع تقديم أو تأخير حتى نرجعه إلى ما جاء في القرآن بلفظه ومعناه ومقتضاه ؛ والجواب نجده في صنيع الرسول الكريم من النهي عن تغيير الأدعية الواردة عنه في محال مخصوصة وكذلك نهي أصحابه ونهي العلماء الأثبات ؛ وبكل هذا يسقط الاستدلال السابق ويبقى فقط أنه من مشكاة واحدة ويجوز للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما لا يجوز لغيره في هذا الباب والله أعلم وأحكم سبحانه وتعالى .