تشطير لقصيدة أبي فراس ( أراك عصيّ الدمع ) 
للشيخ / أحمد بن يحيى حميد الدين اليمني ـ رحمه الله ـ 
 
******************************* 
 
 
 
 
أراك عصي الدمع شيمتك الصبرُ *** مهاباً تحامتك النوائبُ والدهرُ
 
سمت بك أخلاقٌ فما قيل بعدها *** أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمرُ 
 
 
بلى أنا مشتاق وعندي لوعة *** ولكن لأمرٍ دونه الأنجمُ الزهـرُ
 
أريد العلى لا أبتغي الدهر دونها *** ولكن مثلي لا يذاعُ لــه سرُ 
 
 
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى *** لدك دياجي الخطب كي يطلع الفجرُ
 
وفزتُ بما أهواه قسراً ولم أقل *** وأذللت دمعاً من خلائقه الكبـرُ 
 
 
تكاد تضيء النار بين جوانحي *** إذا صـدني عـمـا سـعيتُ له أمرُ
 
فأبصرُ في الظلماء أمري بنورها *** إذا هي أذكتها الصبابة والفكرُ 
 
 
معللتي بالوصل والموت دونه *** لكي الويل سيّان التواصل والهجرُ
 
سأشفي غليل النفس من كل مفخرٍ *** إذا بت ظمآناً فلا نزل القطرُ 
 
 
بدوت وأهلي حاضرون، لأنني *** رأيت هنات القوم مصدرها المصرُ
 
وشرفت نفسي بالبداوةِ ، إنني *** أرى أن داراً لست من أهلها قفـرُ 
 
 
وحاربت أهلي في هواك،وإنهم *** هم القوم لا يخفى لهم أبداً ذكرُ
 
وما كنت أقلوهم وكيف وإنهم *** وإياي، لولا حبك، المـاء والخمـرُ 
 
 
فإن يك ماقال الوشاة ولم يكن *** فلا ذنب إلا من ذوائبك الخترُ
 
وإن زعموا صدق الذي قد تقولوا *** فقد يهدم الإيمان ما شيد الكفرُ 
 
 
وفيتُ وفي بعض الوفاء مذلةً *** و كل امرء يوفي العهود هو الحرُ
 
ولست بمشتاق ولاذا صبابةٍ *** لإنسانة في الحي شيمتها الغدرُ 
 
 
وقور وريعان الصبا يستفزها *** يخامرها منه المخيلة و الكبرُ
 
تصد ملالاً ثم تذكر عهدها *** فتأرن احيانا كما يأرن المهرُ 
 
 
تسائلني من أنت؟ و هي عليمةٌ *** وماتختفي شمس النهار ولا البدرُ
 
وماجهلت إسمي ولكن تجاهلت *** وهل بفتى مثلي على حاله نكرُ 
 
 
فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى *** رويدك إني ليس ينكرني العصرُ
 
فتىً قال للعلياء لما سمى بها *** قتيلك، قالت : أيهم فهم كثرُ 
 
 
فقلت لها لو شئت لم تتعنتي *** فما راعني منك التعنت و الهجرُ
 
وماكان احلى لو تركت إساءتي *** ولم تسألي عني وعندك بي خُبرُ 
 
 
وماكان للأحزان لولاك مسلك *** إليّ وحزني أن يفوز بك الغمرُ
 
ولولاك ماكان الغرام بنافذٍ *** إلى القلب لكن الهوى للبلى جسرُ 
 
 
وأيقنتُ أن لاعز بعدي لعاشقٍ *** وكل كلامٍ في الغرامِ هو الهجرُ
 
وماضرني عتب الحبيب و صده *** وأن يدي مما علقت به صفر 
 
 
فقالت لقد أزرى بك الدهر بعدنا *** فقلت نعم لولا التجلد و الصبرُ
 
فقالت وما للدهر أضناك صرفه *** فقلت معاذ الله بل انت الا الدهرُ 
 
 
وقلبت أمري لا أرى لي راحة *** أسر بها إلا المثقفة السمرُ
 
وذكر العلا تسبي فؤادي و إنه *** إذا البين أنساني ألح بي الهجرُ 
 
 
فعدت الي حكم الزمان و حكمها *** وفي مهجتي مما اكابده جمرُ
 
قضى بيننا ظلما علي فأصبحت *** لها الذنب لا تجزى به ولي العذرُ 
 
 
تجفل حيناً ثم تدنو كأنما *** يساورها مني المهابة و الذعرُ
 
وعادت تحييني بلطفٍ كأنها *** تنادي طلاً بالواد أعجزه الخضرُ 
 
 
وإني لنزال لكل مخوفة *** بها للفتى في كل ناحية ذكرُ
 
وأبرز في ميدان كل كريهة *** كثير الى نزالها النظر الشزرُ 
 
 
وإني لجرارٌ لكل كتيبةٍ *** مؤيدة ما إن يضيع لها وترُ
 
سلاح بنيها الموت في حومة الوغي *** معودة ان لا يخلَّ بها النصرُ 
 
 
فأظمأ حتى ترتوي البيضُ و القنا *** وتغشى نواصي الخيل أرديةٌ حمرُ
 
واحكم في اعناقهم ضرب مخزم *** واسغب حتى يشبع الذئب والنسرُ 
 
 
ولا اصبح الحي الخلوف بغارة *** ولو كان لي فيه من المغنم الوفرُ
 
ولم استجز قتل البريء وسيلة *** ولا الجيش مالم تأته قبلي النذرُ 
 
 
فيارب دار لم تخفني منيعة *** تقاصر عنها الطرف وانبهر الفكرُ
 
تقلب عنها الدهر لما أتيتها *** طلعنا عليها بالردى ، أنا والفجرُ 
 
 
وحيٍّ رددت الخيل حتى ملكته *** نكوصا على الأعقاب قد هاجها الذعرُ
 
وشاك بها بعد التقدم جاءني *** هزيماً وردتني البراقع و الخمرُ 
 
 
وساحبة الأذيال نحوي لقيتها *** وفي نفسها مما ألم بها أمرُ
 
تخال المنايا قد أناخت بساحها *** فلم يلقها جافي اللقاء ولا غرُ 
 
 
وهبت لها ماحازه الجيش كله *** لأني امروءٌ لم تسبه البيض والصفرُ
 
فجئت وقد اجرى السرور مدامعا *** ورحت ولم تكشف لأبياتها سترُ 
 
 
ولا راح يطغيني بأثوابه الغنى *** فكيف وما ابقى يعزُ بِه الحصرُ
 
ولا بخلت نفسي بمالٍ جمعته ***ولا بات يثنيني عن الكرم الفقرُ 
 
 
وماحاجتي بالمال ابغي وفوره *** فليس لهذا المال في نظري قدرُ
 
فإني امروءٌ بالمال للعرض اتقي *** اذا لم يفر عرضي فلا وفر الوفرُ 
 
 
أسرت وما صحبي بعزلٍ لدى الوغى *** فما حط من شأني ولا عابني عذرُ
 
وماكنت عند النائبات بمحجمٍ *** ولا فرسي مهر ولا ربه غمرُ 
 
 
ولكن إذا حَمَّ القضاء على امرىء *** فلا حيلة تجزي هناك ولا حذرُ
 
ومن تك رسل الموت تطلب موته *** فليس له برٌ يقيه ولا بحرُ 
 
 
فقال اصيحابي الفرار أو الردى *** فتنجو كفافا او يخلدك الذكرُ
 
أمامك فاختر منهما ما تحبه *** فقلت هما أمران أحلاهما مرُ 
 
 
ولكنني امضي لما لا يعيبني *** اذا كان بعض القوم يحلو له الفرُ
 
ولست بقوّال اذا الموت قد دنا *** وحسبك من أمرين خيرهما الأسرُ 
 
 
ولا خير في دفع الردى بمذلةٍ *** فلا عز إلا لمن له في الوغى كرُ
 
ولم استجرد دفع المنايا بهفوة *** كما ردها يوما بسوءته عمرو 
 
 
يمنون ان خلوا ثيابي وانما *** ثناهم إباء الحر ، و الطعنة البكرُ
 
وفروا حيارى اذ رأوني مصمماً *** على ثياب من دمائهم حمرُ 
 
 
وقائم سيفي منهم اندق نصله *** غداة عراه من تجمعهم مكرُ
 
وما عدت إلا والمنايا تنوشهم *** واعقاب رمح فيهم حطم الصدرُ 
 
 
سيذكرني قومي إذا جَدّ جدهمُ *** وداهمهم خطبٌ واعوزهم أمرُ
 
وتعلم أني بدرُ كلِ دجنةٍ *** وفي الليلة الظلماءِ يفتقدُ البدرُ 
 
__________________________________________________  __ 
منقول