بسم الله الرحمن الرحيم
 يسود بين كثير من الشباب نوع من التنافر والتدابر ، فهل من نصيحة للجميع ؟ لفضيلة الشيخ زيد بن محمد المدخلي حفظه الله
 السؤال :
 هذه مجموعة من الأسئلة تدور حول محور واحد خلاصتها : يسود بين كثير من  الشباب نوع من التنافر والتدابر ، فهل من نصيحة للجميع للحرص على الأخوة  والألفة وحسن الظن والخلق في التعامل مع الوالدين والعلماء والناس أجمعين ؟
 الجواب :
 شريعة الإسلام تدعو إلى التآلف والتآخي بين المؤمنين لما في ذلك من تحقيق  المصالح الدينية والدنيوية، وتنهى عن التدابر والتهاجر ونحوهما لما في ذلك  من المفاسد الدينية والدنيوية . وأنّ الواجب الإلتزام  بهذا الأصل حتى يحصل السبب المسوغ للهجر والفرقة ، وحينئذ يكون الهجر  والفرقة الصادرة من أهل السنة والجماعة لأهل الأهواء طاعة ؛ لأن  أوثق عرى الإيمان " الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله  والمعاداة في الله " قال ـ تبارك وتعالى ـ : (( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا  بين أخويكم )) [ الحجرات : 10 ] .وقال عزّ شأنه : (( يا أيها الذين ءامنوا  لا يسخر قوم من قوم )) ـ والسخرية : الإحتقار وعدم القيام بالحقوق ـ ((  عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكن خيرا منهن ولا  تلمزوا أنفسكم )) أي : لا يعب بعضكم بعضا (( ولا تنابزوا بالألقاب )) [  الحجرات : 11 ] . إلى غير ذلك من التوجيهات القرآنية ، والنبي الكريم عليه  الصلاة والسلام يقول :" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره  ... كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " ثم  إنه لا يليق بالمسلمين أن تكون أخوتهم مجرد كلام وابتسام مع مخالفة ما في  القلوب لما تنطق به الألسنة ، بل يجب أن تكون أخوتهم صادقة في الظاهر  والباطن ، ولا يحمل الأحقاد أخ مؤمن لإخوانه المؤمنين ، وإن حصل بينهم ما  حصل من مخالفات في حظوظ النفس أو حظوظ الدنيا فإنها لا تخوّل له أن يحقد  على إخوانه المسلمين ، أو يبغضهم ، أو يسيء بهم الظنون ، بل يجب أن يكون  مخلصا في الأخوة وصادقا فيها حتى تجتمع القلوب وتأتلف على الحق .
 وهناك شيء آخر يجلب العداوة ويجلب الفرقة وهو البدع ، إذا انخرط بعض الشباب  في البدع المضلة ، وتأثروا بأصحاب الأهواء الذين خالفوا منهج السلف في  قليل أو كثير ، فترى من كان قائما على منهج السلف يبغضهم وهم يبغضونه ،  ويهجرهم وهم يهجرونه ، هذا من الأسباب التي سببت الفرقة بين الشباب ، وجود  البدع في بعض الشباب ، قلّدوا فيها غيرهم ، وائتموا فيها بأهل الأهواء ،  وبقيت الطائفة المتمسكة بالكتاب والسنة ومنهج السلف على الحق ، فنشأت  العداوة بين الطائفتين ، فعداوة صاحب الحق لصاحب الباطل حق لا ينكر ، مع  بذل النصيحة والدعوة له بحسب الإمكان ، والوصل مشروع للمبتدع عند إرادة  مناظرته كي يرجع إلى رحاب الحق أو تقوم عليه الحجة بأدلة الكتاب والسنة ،  لأن إقامة الحجة على المبتدع نوع من أنواع الجهاد له كما فعل ابن عباس رضي  الله عنهما مع الخوارج .
 وإذا كان الأمر كذلك فلا غنى لطلاب العلم عن أكابر العلماء والأشياخ الذين قضوا مدة طويلة في العلم والتجربة الدعوية .
 هذا وليعلم : أن الفرقة مقرونة بالبدعة ، والألفة  مقرونة بالسنة ، فأهل السنة متآلفون وإن حصل بينهم شيء من الخلاف فإنهم لا  يصلون إلى حد التقاطع والتهاجر وتمني زوال النعمة عن الغير أبدا . نعم قد  يحصل بين الإخوة الناهجين نهج السلف والسالكين مسلك الحق شيء من الخلاف  والخصومة لأنهم ليسوا معصومين ، لكن لا يؤثر على إخوتهم ولا تدوم هذه  الفرقة كما تدوم بين سني وبدعي من غابر الأزمان إلى يومنا هذا ، فهذا هو  شرح لهذه القضية في حدود ما عندي من علم .
 أما عن عدم احترام العلماء فلا يصدر من صاحب سنة ، بل يصدر من أهل الأهواء  والبدع ، وعدم احترام الحكام المسلمين في الأرض لا يصدر إلا من أهل البدع  وعلى رأسهم الخوارج ، و الإحتقار للوالدين وللأقارب والأصحاب لا يصدر إلا  من صاحب بدعة وصاحب غلو وتطرّف أعمته هذه المعاصي عن طريق الحق ، فطفق يضع  الأشياء في غير مواضعها ، وطريق الخلاص حسب علمي طلب العلم الشرعي بالنية  الصادقة والتعقل لمعانيه والسكينة والوقار ، فإن من سلك هذه المسالك أي :  يطلب العلم وهو صاحب سكينة وصاحب وقار ، وصاحب صدق مع الله ، وصاحب إخلاص  لربه هداه الله ـ تبارك وتعالى ـ لمعرفة الحق والعمل به والحياة في ظله  فنعم الظل الظليل .
 ومن اتبع الشيطان وتحمّس حماسا يخرجه عن دائرة الحق والصلاح والإصلاح ضلّ  عن سواء السبيل ، وأضلّ غيره فحمل الوزر الثقيل . والله أعلم بالظاهر  والباطن والحقير والجليل .
 المصدر :
 المجموع الأصيل لتوضيح العقائد بالتفصيل
 الشرح لفضيلة الشيخ زيد بن محمد المدخلي حفظه الله [ ص : 153 ] .
 نقل من شبكة سحاب