المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أَيّهُمَا أَفْضَلُ السّجُودُ أَمْ الْقِيَامُ؟للعلامة ابن القيم-رحمه الله تعالى-


أبو عبيدة طارق الجزائري
03-12-2013, 06:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

أَيّهُمَا أَفْضَلُ السّجُودُ أَمْ الْقِيَامُ؟للعلامة ابن القيم-رحمه الله تعالى-

وَقَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ فِي الْقِيَامِ وَالسّجُود أَيّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَرَجّحَتْ طَائِفَةٌ الْقِيَامَ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنّ ذِكْرَهُ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ فَكَانَ رُكْنُهُ أَفْضَلَ الْأَرْكَانِ.
وَالثّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ} [الْبَقَرَة: 238].
الثّالِثُ: قَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَفْضَلُ الصّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ السّجُودُ أَفْضَلُ وَاحْتَجّتْ بِقَوْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ)). وَبِحَدِيثِ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْتُ حَدّثَنِي بِحَدِيثٍ عَسَى اللّهُ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ؟ فَقَالَ عَلَيْكَ بِالسّجُودِ فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلّهِ سَجْدَةً إلّا رَفَعَ اللّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً)) قَالَ مَعْدَانُ ثُمّ لَقِيتُ أَبَا الدّرْدَاءِ فَسَأَلْته فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِرَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيّ وَقَدْ سَأَلَهُ مُرَافَقَتَهُ فِي الْجَنّةِ أَعِنّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السّجُودِ وَأَوّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُورَةُ (اقْرَأْ) عَلَى الْأَصَحّ وَخَتَمَهَا بِقَوْلِهِ: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [الْعَلَق: 19].
وَبِأَنّ السّجُودَ لِلّهِ يَقَعُ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ كُلّهَا عُلْوِيّهَا وَسُفْلِيّهَا وَبِأَنّ السّاجِدَ أَذَلّ مَا يَكُونُ لِرَبّهِ وَأَخْضَعُ لَهُ وَذَلِكَ أَشْرَفُ حَالَاتِ الْعَبْدِ فَلِهَذَا كَانَ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ مِنْ رَبّهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَبِأَنّ السّجُودَ هُوَ سِرّ الْعُبُودِيّةِ فَإِنّ الْعُبُودِيّةَ هِيَ الذّلّ وَالْخُضُوعُ يُقَالُ طَرِيقٌ مُعَبّدٌ أَيْ ذَلّلَتْهُ الْأَقْدَامُ وَوَطّأَتْهُ وَأَذَلّ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ وَأَخْضَعُ إذَا كَانَ سَاجِدًا.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ طُولُ الْقِيَامِ بِاللّيْلِ أَفْضَلُ وَكَثْرَةُ الرّكُوعِ وَالسّجُودِ بِالنّهَارِ أَفْضَلُ وَاحْتَجّتْ هَذِهِ الطّائِفَةُ بِأَنّ صَلَاةَ اللّيْلِ قَدْ خُصّتْ بِاسْمِ الْقِيَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُمِ اللّيْلَ} [الْمُزّمّل: 1] وَقَوْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا)) وَلِهَذَا يُقَالُ قِيَامُ اللّيْلِ وَلَا يُقَالُ قِيَامُ النّهَارِ قَالُوا: وَهَذَا كَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّهُ مَا زَادَ فِي اللّيْلِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَكَانَ يُصَلّي الرّكْعَةَ فِي بَعْضِ اللّيَالِي بِالْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنّسَاءِ وَأَمّا بِالنّهَارِ فَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَلْ كَانَ يُخَفّفُ السّنَنَ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: الصّوَابُ أَنّهُمَا سَوَاءٌ وَالْقِيَامُ أَفْضَلُ بِذِكْرِهِ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ وَالسّجُودُ أَفْضَلُ بِهَيْئَتِهِ فَهَيْئَةُ السّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ هَيْئَةِ الْقِيَامِ وَذِكْرُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ السّجُودِ وَهَكَذَا كَانَ هَدْيَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّهُ كَانَ إذَا أَطَالَ الْقِيَامَ أَطَالَ الرّكُوعَ وَالسّجُودَ كَمَا فَعَلَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَفِي صَلَاةِ اللّيْلِ وَكَانَ إذَا خَفّفَ الْقِيَامَ خَفّفَ الرّكُوعَ وَالسّجُودَ وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ فِي الْفَرْضِ كَمَا قَالَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: كَانَ قِيَامُهُ وَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ وَاعْتِدَالُهُ قَرِيبًا مِنْ السّوَاءِ وَاَللّه أَعْلَمُ.

زاد المعاد في هدي خير العباد .