المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس قيم بعنوان:(حفظ الأعمال) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد :33]


أم جمانة السلفية
09-26-2012, 04:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فأهنئ كل من منَّ الله عليه بحج بيته الحرام وأسأله -تعالى- أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال..
وبهذه المناسبة العظيمة والنعمة الجليلة أهدي لكم هذا الدرس المهم جدا والذي بعنوان : (حفظ الأعمال) لإحدى الأستاذات السلفيات . سائلة الكريم أن يتم علينا النعمة بحفظها لنا إلى يوم نلقاه فهو خير حافظا وهو أرحم الراحمين.. آمين.







***




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:
لا ريب أن من أعظم ما ينال به المرء رضوان ربه تبارك وتعالى امتثال أمر الله عزّ وجلّ وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم, والإنسان الذي يريد أن يكون قريبًا من الله لا بد أن يكون له حظ من الطاعة, وعلى ذلك فعليه أن يحرص على أداء تلك الطاعة وتكميلها على الوجه الذي ينال به رضوان الله عزّ وجلّ وقربه.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد :33]
فاعلم رحمك الله أن الله تعالى أمر المؤمنين بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ونهاهم عن إبطال أعمالهم بمعصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, وقوله: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم} يشمل النهي عن إبطالها بعد عملها بما يفسدها، من: منّ بها، وإعجاب، وفخر وسمعة, ومن: عمل بالمعاصي التي تضمحل معها الأعمال، ويحبط أجرها.
ويشمل النهي عن إفسادها حال وقوعها بقطعها، أو الإتيان بمفسد من مفسداتها[عبد الرحمن بن ناصر السعدي, تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان, ط1_, مؤسسة الرسالة: بيروت, 1423هـ, ص789]
"لأن الشأن ليس في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه"[محمد بن قيم الجوزية, الوابل الصيب من الكلم الطيب, ط_1, مكتبة دار البيان: دمشق، 1406 هـ, ص16] حال وقوعه أو بعده.
حال وقوع الطاعة:
عليك في حال وقوع أي طاعة لله منك أن تشدَّ يدك على امتثال الكتاب والسُّنَّة, والتمسَّكَ بنورهما, والأخذ بيدك إلى حيث فلاحك وتقواك, وذلك بأمور من أهمها:
الإخلاص لله, فلا تجعل شيئاً من أعمالك و أقوالك و أوقاتك وأنفاسك لغير ربك, والبعد أشد البعد مما يؤدي إلى رد العمل وعدم قبوله, وذلك بالإشراك في عبادة الله, قال تعالى: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110] , فجميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وكمالها وفي ترتيب الثواب عليها على التوحيد, فكلما قوي التوحيد كملت هذه الأمور وتمت، بل إن الأعمال لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، فإذا دخل الشرك بجميع أنواعه في العبادة فسدت, لإنه قد يعرض للمرء ما يُعكِّر على قصْده الخالص فيُحرم به الثَّواب الموعود وهو لا يشعر, فقد لا تدري أنه محبط ولعله عند الله تعالى محبط, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2].
وعن أبي سعد بن أبي فضالة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ)) [سنن الترمذي" (كتاب التفسير/ باب ومن سورة الكهف/ 3079) حسنه الألباني].




ومن أنواعه:



* الرياء, وهو أن يطلب العبد بعمله ثناء الناس ومدحهم وذكرهم, قال الله تعالى في حق المرائين بنفاقهم: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابل فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:246] وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: الرِّيَاءُ, يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً)) [مسند الإمام أحمد/مسند محمود بن لبيد رضي الله عنه/ 22523] جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَالَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ)) [سنن النسائي" (كتاب الجهاد/ باب من غزا يلتمس الأجر والذكر/ 3089) حسنه الألباني.] وهذا يفيد أن العمل الذي لا يبتغى به وجه الله تعالى لا ينفع صاحبه، فكل من عمل عملاً طلب فيه غير وجه الله تعالى فإن عمله مردود عليه وليس له عند الله فيه من خلاق, "والعلماء فصّلوا فقالوا الرياء إذا عرض للعبادة فله أحوال:



- الحالة الأولى: أن يعرض الرياء للعبادة من أولها, فإن العبادة كلها باطلة, كأن يُنشئ الصلاة لنظر فلان, فهو لم يرد أن يصلي, فلما رأى فلانًا ينظر إليه صلى, فالصلاة التي صلاها حابطة, وهو مأزور على مراءاته, ومرتكب للشرك الخفي الشرك الأصغر.
- الحالة الثانية: أن يكون أصل العبادة لله, ولكن خلط ذلك العابد عمله رياء, كمن أطال الركوع وأكثر من التسبيح...لأجل من يراه, فأصل العبادة التي كانت لله له, وما عدا ذلك فهو حابط؛ فيحبط ذلك الزائد وهو آثم عليه, ولا يؤجر عليه ولا ينتفع منه, ويُؤزر على إشراكه ومراءاته"[صالح بن عبد العزيز آل الشيخ, التمهيد شرح كتاب التوحيد, ط-1, دار التوحيد: الرياض, 1423هـ, ص 400] .




* العمل لأجل الدنيا, قال الله تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود:15-16] فمن الشرك أن يريد الإنسان بأعماله التي يعملها من الطاعات الدنيا كجاه أو مال أو أي غرض دنيوي, ولا يريد بها الآخرة, فهذا لا يقبل العمل الذي أشرك فيه وأراد به الدنيا, وعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ)) [صحيح البخاري" (كتاب الجهاد والسير/ باب الحراسة في الغزو في سبيل الله/ 2673)]
فإذا علم العبد أن مرده إلى الله وستأويه حفرة وسيسأله الملكان, وأنه لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياتًا ولا نشورًا, فضلاً عن غيره أو أنه لا يأخذ إلا ما أعطاه الله ولن يتقي إلا ما وقاه الله, فلن يبغي من أحد مدحًا ولا ثناء, بل ولا اطلاعًا.
• متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم, بأن تعبد الله على وفق ما دل عليه كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم, موافق ما شرع, والبعد أشد البعد عن عبادة الله بغير ذلك والابتداع في الدين, فعن عائشة رضي الله عنها: قالت: قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ)) [متفق عليه"صحيح البخاري" (كتاب الصلح/ باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود/ 2499)], وفي رواية: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)) [صحيح مسلم" (كتاب الأقضية/ باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور/ 3243)] فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء[ بد الرحمن بن شهاب الدين ابن رجب الحنبلي, جامع العلوم والحكم, ط-7, مؤسسة الرسالة: بيروت, 1421هـ, ج1, ص82] وإذا حذر الله المؤمنين من حبوط أعمالهم برفع أصواتهم فوق صوته صلى الله عليه وسلم والجهر له كما يجهر بعضهم لبعض حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] وليس هذا بردة بل معصية تحبط العمل وصاحبها لا يشعر بها, فما الظن بمن قدم على قول الرسول صلى الله عليه و سلم وهديه وطريقه قول غيره وهديه وطريقه؟ أليس هذا قد حبط عمله وهو لا يشعر؟![ابن القيم, مصدر سابق. ص17]
فصاحب القلب السليم الذي سلم لله وحده فامتلأ بالتوحيد، وسلم من البدع فامتلأ بالسنة.
• البعد عن الأمور الأخرى التي تكون سببًا في عدم قبول العمل وردّه, كما أخبر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)) [صحيح مسلم" (كتاب السلام/ باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان/ 4137)] فما يترتب على الذهاب إلى العراف أو الكاهن أو المدعي لمعرفة الغيب هو عدم قبول العمل لمدة أربعين يومًا, وكالمسبل إزاره والمكذب بالقدر ومن خفر ذمّة مسلم [خفر: نقض عهده، وخاس به، وغدره.].
• مراقبة الله تعالى, و"معرفة عظمة الله بمعرفة أسمائه وصفاته معرفة مبنية على فهم الكتاب والسنة, فإن العبد إذا عرف أن الله وحده هو الذي يضرّ وينفع ويعزّ ويذل ويعطي ويمنع, ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, فإذا عرف ذلك وعلم بأن الله هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له يثمر ذلك إخلاصًا وصدقًا مع الله"
• الخوف من سوء الخاتمة, وأن يختم له بعمل غير صالح, بل فاسد مردود, فإنَّ الإنسان لو بلغ في طاعة الله كلَّ مبلغٍ، لا يدري بما يُختم له, كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) [صحيح مسلم" (كتاب تحريم الدماء وذكر القصاص والدية/ باب من قتل نفسه بشيء عذب به في النار/1027 ) ] ففي قلبه فساد[ابن رجب الحنبلي, مصدر سابق, ج1, ص65] ، وقوله: ((فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ)) إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس؛ إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت"




• مصاحبة أهل الإخلاص والتقوى. بعد عمل الطاعة:

يا عبد الله أعلم أن أداءك العمل الصالح الخالص لله الموافق شرع الله توفيقٌ من الله لك، وعون من الله لك, ومن أعظم نعم الله عليك، ولولا فضل الله عليك لكنت من الهالكين، فكم ضل أقوام وزاغت قلوب, ولم توفق للصواب, وأعلم أنه لو وكلك الله إلى نفسك لهلكت، ولولا توفيق الله لك ما عملت, ولولا هدايته لك ما استقمت, وأعلم أن الشيطان متسلط على العباد، كل لحظة يتمنى أن يضلك ويغويك: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ*ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ}[الأعراف: 16-17] ولكن الله عصم منه عباده المخلصين:{إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ}[ الحجر: 42] فلما علم عدو الله أن الله لا يسلم عباده إليه, ولا يسلطه عليهم قال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص:82-83]
فعليك تجاه تلك النعمة العظيمة عدة أمور, من أهمها:
• تعلّم عن الله تعالى, وتعرّف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة, فإن معرفة الله بأسمائه وصفاته زيادة في الإيمان واليقين, وتحقيقًا لإفراده بالعبادة وحده دون سواه، وتذوقًا لطعم العبودية, وطريقًا إلى محبة الله وتعظيمه ورجائه والخوف منه.
• أعرف نعمة الله عليك, واعترف بها له وحده دون سواه, واحمده على التوفيق والتيسير,{وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلاَّ قَلِيلاً}[النساء:83]، واشكره على ذلك, وشاهد منته.
• سِر بين مشاهدة منته عليك ومطالعة عيب نفسك وتقصيرك في عملك, محققًا سيد الاستغفار: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ)) [صحيح البخاري" (كتاب الدعوات/ أفضل الاستغفار/ 5831)]فذلك يوجب لك تمام الذل لله والانكسار بين يديه والتوبة والاستغفار في كل وقت وحين, "واستصغر عملك ولا تعجب؛ فإن الإنسان مهما عمل وقدم؛ فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمة من النعم التي في جسده، ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى, ولنتأمل كيف أن الله تعالى يوصي نبيه بذلك بعد أن أمره بأمور عظام فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}[المدثر:1-6] فمن معاني الآية ما قاله الحسن البصري: لاتمنن بعملك على ربك تستكثره.
• كن على خوف ووجل أن لا يقبل منك العمل, الله عز وجل يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة:27] فالخوف والوجل من عذاب الله وعدم قبوله للعمل من أعمال القلوب العظيمة التي تبعث على إحسان أعمال الجوارح، وذلك أن من قام بقلبه الخوف أسرع في السير إلى ربه والتقرب إليه بما يرضيه، والبعد والحذر مما يسخطه, فمن أسرع في السير يوشك أن يصل، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ)) [سنن الترمذي" (كتاب صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالرَّقَائِقِ وَالْوَرَعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَوَانِي الْحَوْضِ/2374) صححه الألباني].[ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي, الإيضاح والتبيين لبعض صفات المؤمنين, - (ج 1 / ص 140)
• كن ملتجئًا إلى الله، واثقًا بالله، محسن الظن به, وأعلم حقاً أنه لا ملجأ من الله إلا إليه, فارجوه في قبول العمل- فإن ذلك مع الخوف من رده -يورث الإنسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالى، فيزيد إيمانه, وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله؛ فإنه وحده القادر على ذلك، فلا يتكل على عمله, "فإن العارفين كلهم مجمعون على أن التوفيق: أن لا يكلك الله إلى نفسك"[ ابن قيم الجوزية, مصدر سابق. ص9] وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، كما حكى الله عنهم في بنائهما الكعبة فقال: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[البقرة:127]فهذا يدل على ألا يركن العبد إلى العمل، وأن العمل مهما عظم وجَلّ يحتاج إلى أن يقبله الله فيكون منه الدعاء والتضرع, فهذا الدعاء كأن العبد يقول لربه: أنا لا أركن إلى عملي وإنما أركن إلى رحمتك وفضلك، فقبولك يا رب! للعمل من أعظم المنن علي بعد أن وفّقتني للعمل، كما قال الله عن أهل الجنة إذا دخلوها: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}[الأعراف:43] فإذا كان هذا في الجنة فمن باب أولى أن يكون في الدنيا, والإنسان خاصة إذا قُدِّر له أن يحج مع ولده أو يحج ابن مع أبيه فإنهما يتذكران خليل الله وابنه عليهما السلام وهما يتضرعان إلى الله جل وعلا، وصحيح أننا لم نبنِ البيت ولكن لتلك المناسك والمشاعر والمواقف في ذلك المطاف أثر على القلب، فيقف هو وابنه مستقبلي القبلة فيقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[البقرة:127] فيستحضران ويستصحبان فعل الخليل صلوات الله وسلامه عليه.
فالدعاء من أعظم ما ترفع به الأعمال، وبه تقبل: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}[الشورى:25] إلى غيرها من الآيات التي تشعر أن الإنسان يكون قريباً من ربه إذا دعاه وتضرع إليه، وكلما كان ذلك في مكان فاضل وبقلب منكسر وبصوت خفي كان أدنى من ربه وأقرب إلى إجابة دعوته.
واسأل الله الثبات حتى الممات، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.








أكثر من الاستغفار, فمهما حرص الإنسان على تكميل عمله؛ فإنه لابد من النقص والتقصير، ولذلك علمنا الله تعالى كيف نرفع هذا النقص فأمرنا بالاستغفار بعد العبادات، فقال بعد أن ذكر مناسك الحج: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[البقرة:199] وأمر نبيه أن يختم حياته العامرة بعبادة الله والجهاد في سبيله بالاستغفار فقال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر], وكان صلى الله عليه وسلم يقول بعد كل صلاة: ((استغفر الله)) ثلاث مرات.[أخرجه مسلم، كتاب المساجد ـ باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته 5-89 رقم 591]
وذلك إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام قالا: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:128] فسألا الله أن يتوب عليهما.
• قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـٰثًا}[النحل:92] فاحرص على عملك من أن يُفسد أو يُبطل ويحبط بعد عمله, أو ينقص ثوابه, ومعرفة ذلك من أهم ما ينبغي أن يفتش عنه العبد ويحذره, فالخسارة كل الخسارة والتي تهون عندها كل خسارة، وتخف عندها كل بلية أن يكدح المرء في الدنيا بأنواع من القرب والطاعات، يسعى في الحياة الدنيا ويحسب أنه يحسن صنعًا؛ فإذا بطاعاته قد ذهبت وحبط ما صنع وقدّم، وإذا بالآمال قد خابت، وأضحت {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[النور:39] فيكون حال صاحبه كحال التي قال الله تعالى عن أصحابها: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}[البقرة: 166]وقال: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان:23].





ومن أهم الأمور التي تحبط الأعمال الصالحة المقبولة عند الله:

- أمور تحبط كل الأعمال وتبطلها بالكلية:
* الإشراك بالله, قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر:65] وقال: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:88], وقال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ}[التوبة:17], ففي هذه الآيات إشارة إلى أن سبب بطلان العمل الإشراك في عبادة الله.
* النفاق والكفر والرِّدّة عن دِين الله، والموت على ذلك, قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة:217]وقال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[المائدة:5] قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ}[التوبة:54]
فالكفر بأنواعه والردة محبطات للأعمال بالكلية, وكذا النفاق الذي منه بغض شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم, قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد صلى الله عليه وسلم: 9] فمن كره تحريم محرم حرمه الله أو رسوله أو وجوب واجب فقد حبط عمله.
وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون, فإن الله لم يظلمهم حين لم يتقبل نفقاتهم أو أحبط أعمالهم بل هم تسبّبوا في ذلك، إذ لم يؤمنوا لأن الإيمان جعله الله شرطاً في قبول الأعمال، فلما أعلمهم بذلك وأنذرهم لم يكن عقابه بعد ذلك ظلماً لهم.
- محبطات خاصة تحبط بعض الأعمال الصالحة, ومنها:
* انتهاك حرمات الله تعالى في الخلوات, فعن ثوبان رضي الله عنه, قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا, قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ, قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا))[ سنن ابن ماجه" (كتاب الزهد/ باب ذكر الذنوب/ 4235) صححه الألباني.] قال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}[النساء:108]
* الغرور بالنفس والانخداع بها والإعجاب بالعمل والتكبر على الله به, فإياك أن تُعجب بعملك، إياك أن تغتر بنفسك، إياك أن يدخلك الكبر والعجب، بل كلما أحسست بشيء من ذلك فذكِّر نفسك أن ذلك فضل من الله عليك أولاً وأخراً، وأنه لولا فضل الله ورحمته لأغواك الشيطان وأضلك عن سواء السبيل, "وأن أعظم ما ينبغي أن يتخلَّص المؤمن منه أن ينزع عن نفسه رداء العجب والكبر, فالإنسان لو تُرك على سجيته لبقي يحب أن يعظم ويمدح ويثنى عليه, ويرى الناس حوله صغارًا, لكنه إذا ألجم نفسه بلجام التقوى, وعلم أن مرده إلى الله، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[يس:77-79] وعلم أنه عبد مخلوق من لحم ودم وعصب, وأنه لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا وعلم حال المتكبرين المتعالين يوم القيامة..., إذا عرف ذلك كله عرف قدره وتواضع لله كما تواضع الأخيار من الأتقياء والأبرار من الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم, فالكِبر أيها المؤمن رداء ينبغي لكل مؤمن أن ينزعه من نفسه, فالمعجب بنفسه منقطع عن الله، مستغن عن الله، يقول بعض العلماء: لا أذاقك الله طعم نفسك، فإن ذقتها فلا تفلح دخل النبي عليه الصلاة والسلام مكة فاتحاً مطأطئ الرأس، كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عز وجل.
"كلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية، وعرفت الله، وعرفت النفس، وتبيَّن لك أنَّ ما معك من البضاعة لا يصلح للملك الحق، ولو جئت بعمل الثقلين؛ خشيت عاقبته، وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله، ويثيبك عليه أيضاً بكرمه وجوده وتفضله"[ مدارج السالكين، (439/2).]
* المن والأذى في الصدقات, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}[ البقرة: 264] دلت هذه الآية سبب الإبطال في الصدقة بالمن والأذى.
* ومن المبطلات الخاصة التي أخبر الله تعالى وأخبر عنها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, كالرفث والفسوق والجدال في الحج, وترك صلاة العصر, والكلام والإمام يخطب يوم الجمعة, والمرأة التي دعاها زوجها من الليل فأبت عليه... وغيرها.










• أكثر من الأعمال الصالحة: فإن من علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها، فإن الحسنة تقول: أختي أختي, والعمل الصالح شجرة طيبة، تحتاج إلى سقاية ورعاية، حتى تنمو وتثبت, وتؤتي ثمارها، وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله؛ أنه يكرم عبده إذا فعل حسنة، وأخلص فيها لله أنه يفتح له باباً إلى حسنة أخرى؛ ليزيده منه قرباً.


وتذكر أنه كلما داومت على الطاعة, وُفقت لحسن الختام, ومن رحمة الله أن من خُتم له بعمل صالح كان ذلك دلالة على حُسن خاتمته, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ, فَقِيلَ كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ)) [سنن الترمذي" (كتاب القدر عن رسول الله/ باب ما جاء أن الله كتب كتابًا لأهل الجنة وأهل النار/ 206http://www.ajurry.com/vb/images/smilies/icon_cool.gif صححه الألباني.], وأن من كرم الله وجوده على عباده أن الحسنات يذهبن السيئات. موقف السلف:

قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}[الأنعام:90]
إبراهيم وإسماعيل نبيان من أنبياء الله، يشيدان بيت الله الحرام، ويقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ}[البقرة:127] وليس بعد بناء البيت شيء عظيم حتى إن الله جل وعلا كافأ إبراهيم على هذا بأن النبي e رآه في ليلة المعراج قد أسند ظهره إلى البيت المعمور، فالجزاء من جنس العمل، أي: لأنه بنى لله بيتاً في الأرض ورفع قواعده، وإن كان رفعه بأمر من الله. ولاحظ أن هذين النبيين جمعا ما بين العمل والدعاء, كانا يعملان ويدعوان الله جل وعلا أن يتقبل منهما هذا دأب الصالحين في كل زمان ومكان.
وقد كان سلفكم الصالح يهتمون بقبول العمل أعظم اهتماماً بالعمل، قال علي رضي الله عنه: كونوا لقبول العمل أشدَّ أهتمامًا منكم بالعمل, وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ [صحيح البخاري" (كتاب الإيمان/ بَاب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ/45)].
فهذا حال أهل الإيمان كما أثنى الله -تعالى- عليهم, فهم أهل الخشية، والخوف مع إحسان العمل وإتقانه قال الله جل وعلا: {إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ * وَٱلَّذِينَ هُم بِـئَايَـٰتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ *وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ رٰجِعُونَ}[ المؤمنون: 57-60]، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ))[ سنن الترمذي" ( كتاب التفسير/ باب من سورة المؤمنون/ 3099) صححه الألباني]
يعملون الأعمال الصالحة ويخشون أن لا يتقبل منهم؛ وذلك لقوة الإيمان، ومعرفتهم بربهم وأنفسهم يخافون على الأعمال أن ترد عليهم, ولخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط،"فالخوف والوجل والإشفاق من عذاب الله، إذا وجدت في القلب انبعثت الجوارح على العمل فعلا وتركًا؛ فعلا للأوامر وتركًا للنواهي"[ الراجحي, مصدر سابق. ص 140] حيث بيّن أنهم يبادرون إلى الأعمال الصالحة، وأنهم إليها سابقون {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون/:61]
وكان السلف يخافون النفاق على أنفسهم، ويقول الْحَسَنِ: "مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ وَمَا يُحْذَرُ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالْعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[ الفرقان: 135][ صحيح البخاري" (كتاب الإيمان/ بَاب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ/45)] "وعن بن أبي مليكه قال: جاء عائشة عبد الله بن عباس يستأذن عليها, قالت: لا حاجة لي به. قال عبد الرحمن بن أبي بكر: إن بن عباس من صالحي بنيك جاءك يعودك, قالت :فأذن له, فدخل عليها فقال: يا أماه أبشرى فوالله ما بينك وبين أن تلقى محمدا صلى الله عليه وسلم والأحبة إلا أن تفارق روحك جسدك, كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ولم يكن يحب رسول الله إلا طيبة, قالت: وأيضا قال: هلكت قلادتك بالأبواء فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا, فكان ذلك بسببك وبركتك ما أنزل الله لهذه الأمة من الرخصة فكان من أمر مسطح ما كان, فأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات فليس مسجد يذكر فيه الله إلا وشأنك يتلى فيه آناء الليل وأطراف النهار, فقالت: يا بن عباس دعني منك ومن تزكيتك فوالله لوددت أنى كنت نسيا منسيًا"[ المعجم الكبير للطبراني.].
"وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَعِظ النَّاس"[ صحيح البخاري" (كتاب الإيمان/ بَاب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ/45)] وقال الحسن: "لقد أدركنا أقواما كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها"[ محمد أحمد القرطبي, جامع أحكام القرآن, ط1-, مؤسسة الرسالة: بيروت, 1427هـ, ص57].
وأخيرًا..
أيها المسلم، وأنت اليوم في موسم عظيم، فاتق الله, واشهدوا مِنَّةَ الله عليكم أن هداكم للإيمان {فلولا فضل الله عليكم ما زكا منكم من أحد أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم}وأن بلغك إياه، واحمد الله أن يسر لك فيه القيام بمناسكه في صحة وسلامة وأمن واطمئنان.
فاحمد الله على هذه النعم، واشكره عليها كل آن وحين، فهو تعالى يحب من عباده أن يشكروه،
وتب إلى الله "فمتى تاب العبد من السيئة ترتب على توبته منها حسنات كثيرة قد تربي وتزيد على الحسنة التي حبطت بالسيئة, فإذا عزمت التوبة, وصحت, ونشأت من صميم القلب, أحرقت ما مرت عليه من السيئات, حتى كأنها لم تكن, فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له"[ ابن قيم الجوزية. مصدر سابق. ص20].
وأن الله هو الصادق الوفي، أنه إنما يعامل الناس بكسبهم، ويجازيهم بأعمالهم، ولا يخاف المحِسن لديه ظلما ولا هضمًا، ولا يخاف بخسًا ولا رهقًا، ولا يضيع عمل محسن أبدًا، ولا يضيع على العبد مثقال ذرة: { وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:40]، وإن كان مثقال حبة من خردل جازاه بها، ولا يضيعها عليه، وأنه يجزي بالسيئة مثلها، ويحبطها بالتوبة والندم والاستغفار والحسنات والمصائب، ويجزي بالحسنة عشر أمثالها، ويضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة !!
والله اسأل أن يختم للجميع بالحسنى، وأن يجعلك في عداد المقبولين، أن يجعلك ممن قبل حجه وعبادته، فضلاً منه ورحمة، وإلا فالتقصير منا والإساءة موجودة، ولكن رجاؤنا في الله قوي، فنتعلق برجاء الله، ونسأله أن يعاملنا بعفوه، فهو أهل الكرم والجود.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.


















منقول من منتديات الآجري من مشاركات الأخت أم عبدالكريم بارك الله فيها

أم جمانة السلفية
09-27-2012, 01:43 AM
يا عبد الله أعلم أن أداءك العمل الصالح الخالص لله الموافق شرع الله توفيقٌ من الله لك، وعون من الله لك, ومن أعظم نعم الله عليك، ولولا فضل الله عليك لكنت من الهالكين، فكم ضل أقوام وزاغت قلوب, ولم توفق للصواب, وأعلم أنه لو وكلك الله إلى نفسك لهلكت، ولولا توفيق الله لك ما عملت, ولولا هدايته لك ما استقمت, وأعلم أن الشيطان متسلط على العباد، كل لحظة يتمنى أن يضلك ويغويك: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ*ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ}[الأعراف: 16-17] ولكن الله عصم منه عباده المخلصين:{إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ}[ الحجر: 42] فلما علم عدو الله أن الله لا يسلم عباده إليه, ولا يسلطه عليهم قال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص:82-83]

فعليك تجاه تلك النعمة العظيمة عدة أمور, من أهمها:

• تعلّم عن الله تعالى, وتعرّف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة, فإن معرفة الله بأسمائه وصفاته زيادة في الإيمان واليقين, وتحقيقًا لإفراده بالعبادة وحده دون سواه، وتذوقًا لطعم العبودية, وطريقًا إلى محبة الله وتعظيمه ورجائه والخوف منه.
• أعرف نعمة الله عليك, واعترف بها له وحده دون سواه, واحمده على التوفيق والتيسير,{وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلاَّ قَلِيلاً}[النساء:83]، واشكره على ذلك, وشاهد منته.
• سِر بين مشاهدة منته عليك ومطالعة عيب نفسك وتقصيرك في عملك, محققًا سيد الاستغفار: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ)) [صحيح البخاري" (كتاب الدعوات/ أفضل الاستغفار/ 5831)]فذلك يوجب لك تمام الذل لله والانكسار بين يديه والتوبة والاستغفار في كل وقت وحين, "واستصغر عملك ولا تعجب؛ فإن الإنسان مهما عمل وقدم؛ فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمة من النعم التي في جسده، ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى, ولنتأمل كيف أن الله تعالى يوصي نبيه بذلك بعد أن أمره بأمور عظام فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}[المدثر:1-6] فمن معاني الآية ما قاله الحسن البصري: لاتمنن بعملك على ربك تستكثره.
• كن على خوف ووجل أن لا يقبل منك العمل, الله عز وجل يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة:27] فالخوف والوجل من عذاب الله وعدم قبوله للعمل من أعمال القلوب العظيمة التي تبعث على إحسان أعمال الجوارح، وذلك أن من قام بقلبه الخوف أسرع في السير إلى ربه والتقرب إليه بما يرضيه، والبعد والحذر مما يسخطه, فمن أسرع في السير يوشك أن يصل، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ)) [سنن الترمذي" (كتاب صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالرَّقَائِقِ وَالْوَرَعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَوَانِي الْحَوْضِ/2374) صححه الألباني].[ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي, الإيضاح والتبيين لبعض صفات المؤمنين, - (ج 1 / ص 140)
• كن ملتجئًا إلى الله، واثقًا بالله، محسن الظن به, وأعلم حقاً أنه لا ملجأ من الله إلا إليه, فارجوه في قبول العمل- فإن ذلك مع الخوف من رده -يورث الإنسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالى، فيزيد إيمانه, وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله؛ فإنه وحده القادر على ذلك، فلا يتكل على عمله, "فإن العارفين كلهم مجمعون على أن التوفيق: أن لا يكلك الله إلى نفسك"[ ابن قيم الجوزية, مصدر سابق. ص9] وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، كما حكى الله عنهم في بنائهما الكعبة فقال: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[البقرة:127]فهذا يدل على ألا يركن العبد إلى العمل، وأن العمل مهما عظم وجَلّ يحتاج إلى أن يقبله الله فيكون منه الدعاء والتضرع, فهذا الدعاء كأن العبد يقول لربه: أنا لا أركن إلى عملي وإنما أركن إلى رحمتك وفضلك، فقبولك يا رب! للعمل من أعظم المنن علي بعد أن وفّقتني للعمل، كما قال الله عن أهل الجنة إذا دخلوها: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}[الأعراف:43] فإذا كان هذا في الجنة فمن باب أولى أن يكون في الدنيا, والإنسان خاصة إذا قُدِّر له أن يحج مع ولده أو يحج ابن مع أبيه فإنهما يتذكران خليل الله وابنه عليهما السلام وهما يتضرعان إلى الله جل وعلا، وصحيح أننا لم نبنِ البيت ولكن لتلك المناسك والمشاعر والمواقف في ذلك المطاف أثر على القلب، فيقف هو وابنه مستقبلي القبلة فيقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[البقرة:127] فيستحضران ويستصحبان فعل الخليل صلوات الله وسلامه عليه.
فالدعاء من أعظم ما ترفع به الأعمال، وبه تقبل: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}[الشورى:25] إلى غيرها من الآيات التي تشعر أن الإنسان يكون قريباً من ربه إذا دعاه وتضرع إليه، وكلما كان ذلك في مكان فاضل وبقلب منكسر وبصوت خفي كان أدنى من ربه وأقرب إلى إجابة دعوته.
واسأل الله الثبات حتى الممات، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.













أكثر من الاستغفار, فمهما حرص الإنسان على تكميل عمله؛ فإنه لابد من النقص والتقصير، ولذلك علمنا الله تعالى كيف نرفع هذا النقص فأمرنا بالاستغفار بعد العبادات، فقال بعد أن ذكر مناسك الحج: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[البقرة:199] وأمر نبيه أن يختم حياته العامرة بعبادة الله والجهاد في سبيله بالاستغفار فقال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر], وكان صلى الله عليه وسلم يقول بعد كل صلاة: ((استغفر الله)) ثلاث مرات.[أخرجه مسلم، كتاب المساجد ـ باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته 5-89 رقم 591]


وذلك إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام قالا: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:128] فسألا الله أن يتوب عليهما.


• قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـٰثًا}[النحل:92] فاحرص على عملك من أن يُفسد أو يُبطل ويحبط بعد عمله, أو ينقص ثوابه, ومعرفة ذلك من أهم ما ينبغي أن يفتش عنه العبد ويحذره, فالخسارة كل الخسارة والتي تهون عندها كل خسارة، وتخف عندها كل بلية أن يكدح المرء في الدنيا بأنواع من القرب والطاعات، يسعى في الحياة الدنيا ويحسب أنه يحسن صنعًا؛ فإذا بطاعاته قد ذهبت وحبط ما صنع وقدّم، وإذا بالآمال قد خابت، وأضحت {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[النور:39] فيكون حال صاحبه كحال التي قال الله تعالى عن أصحابها: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}[البقرة: 166]وقال: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان:23].



(إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد)

أم جمانة السلفية
09-27-2012, 01:50 AM
الغرور بالنفس والانخداع بها والإعجاب بالعمل والتكبر على الله به, فإياك أن تُعجب بعملك، إياك أن تغتر بنفسك، إياك أن يدخلك الكبر والعجب، بل كلما أحسست بشيء من ذلك فذكِّر نفسك أن ذلك فضل من الله عليك أولاً وأخراً، وأنه لولا فضل الله ورحمته لأغواك الشيطان وأضلك عن سواء السبيل, "وأن أعظم ما ينبغي أن يتخلَّص المؤمن منه أن ينزع عن نفسه رداء العجب والكبر, فالإنسان لو تُرك على سجيته لبقي يحب أن يعظم ويمدح ويثنى عليه, ويرى الناس حوله صغارًا, لكنه إذا ألجم نفسه بلجام التقوى, وعلم أن مرده إلى الله، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[يس:77-79] وعلم أنه عبد مخلوق من لحم ودم وعصب, وأنه لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا وعلم حال المتكبرين المتعالين يوم القيامة..., إذا عرف ذلك كله عرف قدره وتواضع لله كما تواضع الأخيار من الأتقياء والأبرار من الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم, فالكِبر أيها المؤمن رداء ينبغي لكل مؤمن أن ينزعه من نفسه, فالمعجب بنفسه منقطع عن الله، مستغن عن الله، يقول بعض العلماء: لا أذاقك الله طعم نفسك، فإن ذقتها فلا تفلح دخل النبي عليه الصلاة والسلام مكة فاتحاً مطأطئ الرأس، كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عز وجل.
"كلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية، وعرفت الله، وعرفت النفس، وتبيَّن لك أنَّ ما معك من البضاعة لا يصلح للملك الحق، ولو جئت بعمل الثقلين؛ خشيت عاقبته، وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله، ويثيبك عليه أيضاً بكرمه وجوده وتفضله"[ مدارج السالكين، (439/2).]
حقاً درسٌ قيم غفر الله لصاحبة الدرس وأسكنها فسيح جنانه