المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من سبق الدكتور إبراهيم الرحيلي إلى هذا التأصيل ؟


عبدالله الخليفي
05-01-2012, 12:13 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد :


قال الدكتور إبراهيم الرحيلي في دروس [ الخلاف أسبابه وأحكامه الشريط الأول الوجه الأول من الدقيقة 25 إلى الدقيقة 28 ]
للإستماع [ للتحميل (http://archive.org/download/rohily-kulify.mp3/rohily-kulify.mp3) ]
قال : إذا تقرر هذا فالنظر في أحوال المعينين والحكم في حال المعين بكفر أو بدعة أو بفسق أو بالتخطئة من غير تأثيم يتعلق بعدة مسائل
ثم ذكر شروطاً كثيرة وهي:
1- أن يعرف أصول الدين.
2- أن يعرف المسألة المتكلم فيها.
3- أن يعلم درجة الخلاف فمن الخلاف ما هو بدعة ومنه ما هو كفر .
4- أن يعرف أصول أهل السنة في النظر في أحوال المعينين
5- أن يعرف حال المعين.
6- أن يعرف الأحوال و الظروف التي أدت به إلى هذا القول
7- أن يعرف أقواله الأخرى.
8- أن يعرف البواعث التي أدت به لهذا القول.
9- أن يستفصل عن حاله و يسأله عن الشيء الذي حمله على هذا .
10- أن يكون الناظر في المسألة على ورع.
11- أن يكون الناظر في هذه الأمور على درجة عظيمة من التوكل على الله.
12- أن ينطرح بين يدي الله أن يلهمه الرشد.
13- أن يتضرع إلى الله أن يعصمه الفتن.
14- أن ينظر في النية الباعثة للمخطئ على الخطأ.اهـ
إلى أن قال : فمن رأى في نفسه القصور عن هذه الأمور فليحجم . اهـ
[ الكلام بالاختصار والكلمة الأخير بعد دقائق من هذا الكلام ]

أقول : التعليق على هذا الكلام للدكتور إبراهيم - وفقه الله - من وجوه

أولها : من الذي سبق الدكتور إلى وضع هذه الشروط كلها ؟!

ثانيها : من المتقرر عند الكلام على أهل البدع أن نقدهم ليس فقط لمصلحة أنفسهم ، بل لمصلحة من يغتر بأغلاطهم أيضاً
لهذا نص الأئمة على رد خطأ المخطيء وإن كان في نفسه متأولاً ، بل ومعاقبة داعية البدعة وإن كان في نفسه متأولاً

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى [ 10/ 376] :
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ قِتَالُ " الْبُغَاةِ " : وَهُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِ الْإِمَامِ بِتَأْوِيلِ سَائِغٍ مَعَ كَوْنِهِمْ عُدُولًا وَمَعَ كَوْنِنَا نُنَفِّذُ أَحْكَامَ قَضَائِهِمْ وَنُسَوِّغُ مَا قَبَضُوهُ . مِنْ جِزْيَةٍ أَوْ خَرَاجٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ .
إذْ الصَّحَابَةُ لَا خِلَافَ فِي بَقَائِهِمْ عَلَى الْعَدَالَةِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّفْسِيقَ انْتَفَى لِلتَّأْوِيلِ السَّائِغِ .
وَأَمَّا الْقِتَالُ : فَلِيُؤَدُّوا مَا تَرَكُوهُ مِنْ الْوَاجِبِ وَيَنْتَهُوا عَمَّا ارْتَكَبُوهُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَإِنْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ .
وَكَذَلِكَ نُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ وَإِنْ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ.
فَتَدَبَّرْ كَيْفَ عُوقِبَ أَقْوَامٌ فِي الدُّنْيَا عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ بَيِّنٍ فِي الدِّينِ أَوْ الدُّنْيَا وَإِنْ كَانُوا مَعْذُورِينَ فِيهِ لِدَفْعِ ضَرَرِ فِعْلِهِمْ فِي الدُّنْيَا .
كَمَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ تَابَ بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا وَكَمَا يَغْزُو هَذَا الْبَيْتَ جَيْشٌ مِنْ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ إذْ خُسِفَ بِهِمْ وَفِيهِمْ الْمُكْرَهُ فَيُحْشَرُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ .
وَكَمَا يُقَاتِلُ جُيُوشُ الْكُفَّارِ وَفِيهِمْ الْمُكْرَهُ كَأَهْلِ بَدْرٍ لَمَّا كَانَ فِيهِمْ الْعَبَّاسُ وَغَيْرُهُ .
وَكَمَا لَوْ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَنْدَفِعْ ضَرَرُ الْكُفَّارِ إلَّا بِقِتَالِهِمْ فَالْعُقُوبَاتُ الْمَشْرُوعَةُ وَ الْمَقْدُورَةُ قَدْ تَتَنَاوَلُ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فِي الْآخِرَةِ وَتَكُونُ فِي حَقِّهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَائِبِ .
كَمَا قِيلَ فِي بَعْضِهِمْ : الْقَاتِلُ مُجَاهِدٌ وَالْمَقْتُولُ شَهِيدٌ .
وَعَلَى هَذَا فَمَا أَمَرَ بِهِ آخِرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَنَّ دَاعِيَةَ أَهْلِ الْبِدَعِ يُهْجَرُ فَلَا يُسْتَشْهَدُ وَلَا يُرْوَى عَنْهُ وَلَا يُسْتَفْتَى وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ ؛ فَإِنَّ هَجْرَهُ تَعْزِيرٌ لَهُ وَعُقُوبَةٌ لَهُ جَزَاءً لِمَنْعِ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ الَّذِي هُوَ بِدْعَةٌ أَوْ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تَائِبًا أَوْ مَعْذُورًا ؛ إذْ الْهِجْرَةُ مَقْصُودُهَا أَحَدُ شَيْئَيْنِ : إمَّا تَرْكُ الذُّنُوبِ الْمَهْجُورَةِ وَأَصْحَابِهَا وَإِمَّا عُقُوبَةُ فَاعِلِهَا وَنَكَالُهُ .اهـ

قلت: فانظر كيف صرح بوقوع العقوبة على داعية البدع وإن كان في نفسه متأولاً مراعاةً للمصلحة العامة في ترك الناس لبدعته .

وقال ابن رجب شرح علل الترمذي ص 363:
والمانعون من الرواية لهم مأخذان:
أحدهما: تكفير أهل الأهواء أو تفسقيهم، وفيه خلاف مشهور.
والثاني: الإهانة لهم والهجران والعقوبة بترك الرواية عنه، وإن لم نحكم بكفرهم أو فسقهم.
ولهم مأخذ ثالث: وهو أن الهوى والبدعة لا يؤمن معه الكذب، ولاسيما إذا كانت الرواية مما تعضد هوى الراوي.اهـ

أقول: فتأمل كيف حكى إيقاع العقوبة عليهم مع عدم تكفيرهم وتفسيقهم

وقال البخاري [ ح 6753] : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ:
اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ .
فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ .
قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا .
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا .
قَالَ سُفْيَانُ قَصَّهُ عَلَيْنَا الزُّهْرِيُّ وَزَادَ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعَ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنِي وَسَلُوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ سَمِعَهُ مَعِي وَلَمْ يَقُلْ الزُّهْرِيُّ سَمِعَ أُذُنِي خُوَارٌ صَوْتٌ وَالْجُؤَارُ مِنْ تَجْأَرُونَ كَصَوْتِ الْبَقَرَةِ.اهـ

قال الحافظ في الفتح:
وفيه أن من رأى متأولاً أخطأ في تأويل يضر من أخذ به أن يشهر القول للناس ويبين خطأه ليحذر من الاغترار به وفيه جواز توبيخ المخطئ.اهـ

وقال العلامة المعلمي في كتاب العبادة ص 273 :
وأهل العلم إذا بلغهم خطأ العالم أو الصالح وخافوا أن يغتر الناس بجلالته ربما وضعوا من فضله ، وغبروا في وجه شهرته ، مع محبتهم له ومعرفتهم لمنزلته ولكن يظهرون تحقيره لئلا يفتتن به الناس
ومن ذلك ما ترى في مقدمة صحيح مسلم من الحط الشديد على البخاري في صدد الرد في اشتراط ثبوت لقاء الراوي لمن فوقه حتى لقد يخيل إلى القاريء ما يخيل إليه ، مع أن منزلة البخاري في صدر مسلم رفيعة ، ومحبته له وإجلاله أمرٌ معلوم في التاريخ وأسماء الرجال.اهـ

وقال أيضاً في ص274 :
وبالجملة فمن علم القاعدة الشرعية في تعارض المفاسد لم يعذل العلماء في انتقاصهم من يخافون ضلال الناس بسببه ، ولو علم محبو المطعون فيه هذا المعنى ، لما وقعوا فيما وقعوا فيه من ثلب أولئك الأكابر حميةً وعصبية والله المستعان.اهـ
وهذا المعنى مغيب تماماً في كلام الدكتور بل عامته في نقضه لمن تأمل
واعلم أن من يخالط المعلن بالبدعة يعاقب ، وإن كانت أصوله سلفية كما يقال اليوم
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى [ 15/ 286] :
لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً كَانَتْ عُقُوبَتُهَا ظَاهِرَةً ؛ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ : مَنْ أَذْنَبَ سِرًّا فَلْيَتُبْ سِرًّا وَمَنْ أَذْنَبَ عَلَانِيَةً فَلْيَتُبْ عَلَانِيَةً .
وَلَيْسَ مِنْ السَّتْرِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا فِي الْحَدِيثِ : [ مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ ] - بَلْ ذَلِكَ إذَا سُتِرَ كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا لِمُنْكَرِ ظَاهِرٍ .
وَفِي الْحَدِيثِ [ إنَّ الْخَطِيئَةَ إذَا خُفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إلَّا صَاحِبَهَا وَإِذَا أُعْلِنَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ ضَرَّتْ الْعَامَّةَ ] فَإِذَا أُعْلِنَتْ , أُعْلِنَتْ عُقُوبَتُهَا بِحَسَبِ الْعَدْلِ الْمُمْكِنِ .
وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْلِنِ بِالْبِدَعِ وَالْفُجُورِ غَيْبَةٌ كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَعْلَنَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ عُقُوبَةَ الْمُسْلِمِينَ لَهُ .
وَأَدْنَى ذَلِكَ أَنْ يُذَمَّ عَلَيْهِ لِيَنْزَجِرَ وَيَكُفَّ النَّاسُ عَنْهُ وَعَنْ مُخَالَطَتِهِ وَلَوْ لَمْ يُذَمَّ وَيُذْكَرْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْفُجُورِ وَالْمَعْصِيَةِ أَوْ الْبِدْعَةِ لَاغْتَرَّ بِهِ النَّاسُ وَرُبَّمَا حَمَلَ بَعْضَهُمْ عَلَى أَنْ يَرْتَكِبَ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَيَزْدَادَ أَيْضًا هُوَ جُرْأَةً وَفُجُورًا وَمَعَاصِيَ فَإِذَا ذُكِرَ بِمَا فِيهِ انْكَفَّ وَانْكَفَّ غَيْرُهُ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ صُحْبَتِهِ وَمُخَالَطَتِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : أَتَرْغَبُونَ عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ اُذْكُرُوهُ بِمَا فِيهِ كَيْ يَحْذَرُهُ النَّاسُ وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا
و " الْفُجُورُ " اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مُتَجَاهِرٍ بِمَعْصِيَةِ أَوْ كَلَامٍ قَبِيحٍ يَدُلُّ السَّامِعَ لَهُ عَلَى فُجُورِ قَلْبِ قَائِلِهِ .
وَلِهَذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْهَجْرِ إذَا أَعْلَنَ بِدْعَةً أَوْ مَعْصِيَةً أَوْ فُجُورًا أَوْ تَهَتُّكًا أَوْ مُخَالَطَةً لِمَنْ هَذَا حَالُهُ بِحَيْثُ لَا يُبَالِي بِطَعْنِ النَّاسِ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَجْرَهُ نَوْعُ تَعْزِيرٍ لَهُ فَإِذَا أَعْلَنَ السَّيِّئَات أُعِلْنَ هَجْرُهُ وَإِذَا أَسَرَّ أُسِرَّ هَجْرُهُ .اهـ

قلت: في نص شيخ الإسلام هذا عدة فوائد
أهمها بالنسبة لي: إلحاق مجالس الداعي للبدعة به، فكيف إذا كان مدافعاً منافحاً عنه مؤذياً لأهل السنة من أجله؟
ولا شك أن من يخالط المعلن بالبدعة ليس معلناً بها ، ولو كان معلناً بها لما كان للتفريق بينه وبين المعلن بها فائدة فتأمل !

ثالثها : أن هذه الشروط لا نرى له وجوداً في تطبيقات السلف بل نجد ما يعاكسها

قال البخاري في صحيحه [ 122 ] :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ:
قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ .
فَقَالَ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ .
حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ وذكر الحديث .

فهذا ابن عباس وصف نوفاً بأنه [ عدو الله ] دون أن يستفصل عن قصده وعن أقواله الأخرى وعن الظروف المحيطة به حال القول بهذه المسألة وغيرها من القيود التي ذكرها الدكتور

وقال مسلم في صحيحه [ 1- / 1-8] حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ كَهْمَسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَُرَ (ح)
وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ، وَهَذَا حَدِيثُهُ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ، قَالَ :
كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ ، أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ ، فَقُلْنَا : لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاَءِ فِي الْقَدَرِ .
فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلاً الْمَسْجِدَ ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ ، وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلاَمَ إِلَيَّ ، فَقُلْتُ : أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لاَ قَدَرَ ، وَأَنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ .
قَالَ : فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي

فهذا ابن عمر تبرأ من القدرية ولم يطلب مجالستهم ليعرف قصدهم ، ولا سأل عن بلائهم في السنة ولا غيرها من الأمور التي ذكرها الدكتور
ولم يبق حتى يتضرع إلى الله في شأن الحكم عليهم


وقال مسلم في صحيحه [ 72 / 1582] :
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَمُرَةَ بَاعَ خَمْرًا، فَقَالَ: قَاتَلَ اللهُ سَمُرَةَ، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا، فَبَاعُوهَا.

هنا عمر بن الخطاب لم يتثبت في خبر الثقة الذي نقل له أن سمرة بن جندب باع خمراً على المشركين ورد على سمرة وهو غائب ودعا عليه ولم يرد على المقولة ويترك القائل!
وهو يعرف سابقة سمرة ولاشك
واعلم رحمك الله أن سمرة بن جندب مجتهد في هذه المسألة ولا يجوز لأحدٍ أن يقلده على اجتهاده هذا بعد ثبوت النص بخلافه
وقال الخلال في السنة [658 ] :
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ هَارُونَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : جَاءَنِي كِتَابٌ مِنَ الرَّقَّةِ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: لَا نَقُولُ: مُعَاوِيَةُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ ؟
فَغَضِبَ وَقَالَ: مَا اعْتِرَاضُهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، يُجْفَوْنَ حَتَّى يَتُوبُوا .
وقال أيضاً [ 659 ] :
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ قَالَ:
وَجَّهْنَا رُقْعَةً إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَا تَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ فِيمَنْ قَالَ: لَا أَقُولُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَاتَبُ الْوَحْيِ، وَلَا أَقُولُ إِنَّهُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ أَخَذَهَا بِالسَّيْفِ غَصْبًا ؟
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا قَوْلُ سَوْءٍ رَدِيءٌ ، يُجَانَبُونَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ، وَلَا يُجَالَسُونَ ، وَنُبَيِّنُ أَمْرَهُمْ لِلنَّاسِ .اهـ

فلم يقل الإمام أحمد استفصلوا منهم ، وانظروا في أقوالهم الأخرى في المسألة !
وانظروا هل لهم بلاء في السنة أم لا ؟!

وقال شيخ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى [ 1/141] :
وَجَوَابُ الْأَوْزَاعِيِّ أَقْوَمُ مِنْ جَوَابِ الزُّبَيْدِيِّ؛ لِأَنَّ الزُّبَيْدِيَّ نَفَى الْجَبْرَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ مَنَعَ إطْلَاقَهُ إذْ هَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ مَعْنًى صَحِيحًا، فَنَفْيُهُ قَدْ يَقْتَضِي نَفْيَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
كَمَا ذَكَرَ الْخَلَّالُ مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ، فَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارَ، ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ : إنَّمَا سُمِّيَ الْجَبَّارَ، لِأَنَّهُ يُجْبِرُ الْخَلْقَ عَلَى مَا أَرَادَ.
فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ إطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُجْمَلِ الْمُشْتَبَهِ زَالَ الْمَحْذُورُ، وَكَانَ أَحْسَنَ مِنْ نَفْيِهِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي الْمَعْنَى الْفَاسِدِ خَشْيَةَ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ يَنْفِي الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا.
وَهَكَذَا يُقَالُ فِي نَفْيِ الطَّاقَةِ عَلَى الْمَأْمُورِ، فَإِنَّ إثْبَاتَ الْجَبْرِ فِي الْمَحْظُورِ نَظِيرُ سَلْبِ الطَّاقَةِ فِي الْمَأْمُورِ.
وَهَكَذَا كَانَ يَقُولُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ.
قَالَ الْخَلَّالُ: أَنْبَأَنَا الْمَيْمُونُ قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُنَاظِرُ خَالِدَ بْنَ خِدَاشٍ، يَعْنِي فِي الْقَدَرِ، فَذَكَرُوا رَجُلًا، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إنَّمَا أَكْرَهُ مِنْ هَذَا أَنْ يَقُولَ أَجْبَرَ اللَّهُ.
وَقَالَ: أَنْبَأَنَا الْمَرْوَزِيِّ، قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : رَجُلٌ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ أَجْبَرَ الْعِبَادَ، فَقَالَ: هَكَذَا لَا تَقُلْ، وَأَنْكَرَ هَذَا، وَقَالَ: يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.
وَقَالَ: أَنْبَأَنَا الْمَرْوَزِيِّ، قَالَ: كُتِبَ إلَى عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي أَمْرِ حَسَنِ بْنِ خَلَفٍ الْعُكْبَرِيِّ، وَقَالَ إنَّهُ تَنَزَّهَ عَنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ، فَقَالَ رَجُلٌ قَدَرِيٌّ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يُجْبِرْ الْعِبَادَ عَلَى الْمَعَاصِي، فَرَدَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ رَجَاءٍ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ جَبَرَ الْعِبَادَ عَلَى مَا أَرَادَ.
أَرَادَ بِذَلِكَ إثْبَاتَ الْقَدَرِ، فَوَضَعَ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ كِتَابًا يَحْتَجُّ فِيهِ فَأَدْخَلْته عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْبَرْته بِالْقِصَّةِ، فَقَالَ: وَيَضَعُ كِتَابًا وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا: عَلَى ابْنِ رَجَاءٍ حِينَ قَالَ جَبَرَ الْعِبَادَ، وَعَلَى الْقَدَرِيِّ الَّذِي قَالَ لَمْ يُجْبِرْ، وَأَنْكَرَ عَلَى أَحْمَدَ فِي وَضْعِهِ الْكِتَابَ وَاحْتِجَاجِهِ وَأَمَرَ بِهِجْرَانِهِ لِوَضْعِهِ الْكِتَابَ.
وَقَالَ لِي: يَجِبُ عَلَى ابْنِ رَجَاءَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ رَبَّهُ لَمَّا قَالَ جَبَرَ الْعِبَادَ.
فَقُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَمَا الْجَوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟
قَالَ: يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.
قَالَ الْمَرْوَزِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا أَنْكَرَ عَلَى الَّذِي قَالَ لَمْ يُجْبِرْ، وَعَلَى مَنْ رَدَّ عَلَيْهِ جَبَرَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كُلَّمَا ابْتَدَعَ رَجُلٌ بِدْعَةً اتَّسَعُوا فِي جَوَابِهَا.
وَقَالَ: يَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِمْ بِمُحْدَثِهِ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ رَدَّ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا إمَامٌ مُقَدَّمٌ.
قَالَ الْمَرْوَزِيِّ: فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ قَدِمَ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ عَكْبَرَا وَمَعَهُ شَيْخُهُ وَكِتَابٌ مِنْ أَهْلِ عَكْبَرَا فَأَدْخَلْت أَحْمَدَ بْنَ عَلِيٍّ، عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ذَا الْكِتَابِ أَدْفَعُهُ إلَى أَبِي بَكْرٍ حَتَّى يَقْطَعَهُ.
وَأَنَا أَقُومُ عَلَى مِنْبَرِ عَكْبَرَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِي: يَنْبَغِي أَنْ تَقْبَلُوا مِنْهُ فَرَجَعُوا إلَيْهِ.اهـ

أقول : فهذا من أصحاب أحمد وكان يناظر قدرياً ومع ذلك أنكر أحمد عليه الكلمة التي قالها مع اشتباها فلم يقل نستفصل منه ما قصده ، وننظر في الظروف المحيطة به لما قال هذه الكلمة .

وقال البرذعي في سؤالاته عن أبي زرعة [ 2/555] :
وكان أبو زرعة يتكلم عن داود الظاهري : وكان بينه وبين صالح بن أحمد حسن

فكلم صالحا أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه فأتى صالح أباه فقال له :
رجل سالني أن ياتيك قال : ما اسمه ؟ قال : داود قال : من أين هو؟ قال : من أهل أصبهان قال : أي شيء صناعته ؟
قال : وكان صالح يروغ عن تعريفه إياه فما زال أبو عبد الله رحمه الله يفحص عنه حتى فطن .
فقال : هذا قد كتب إلي محمد بن يحيى النيسابوري في أمره أنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربني قال : يا أبة أنه ينتفي من هذا وينكره .
فقال : أبو عبد الله أحمد محمد بن يحيى أصدق منه لا تأذن له في المصير إلي.اهـ

فهنا الإمام أحمد قبل خبر الثقة ، بل وكذب داود وعلى تأصيل الدكتور يكون الإمام أحمد ظالماً ، وداود لم يتب بل أنكر ما أثبته الثقات عليه وهذه ليست توبة

قال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة [1/63] :
وقال الخلال أخبرنا المروذي أن أبا عبد اللَّه ذكر حارثا المحاسبي فقال: حارث أصل البلية يعني حوادث كلام جهم ما الآقة إلا حارث عامة من صحبه انبتك إلا ابن العلاف فإنه مات مستورا حذروا عَنْ حارث أشد التحذير قلت: إن قوما يختلفون إليه قَالَ: نتقدم إليهم لعلهم لا يعرفون بدعته فإن قبلوا وإلا هجروا ليس للحارث توبة يشهد عليه ويجحد إنما التوبة لمن اعترف.اهـ

وقال شيخ الإسلام كما في [الفتاوى الكبرى 2/ 367]:

فقد نقل ابن حزم في المحلى عن عطاء بن أبي رباح: أنه لا يجوز الصلاة في مسجد إلا على الأرض، ولما قدم عبد الرحمن بن مهدي من العراق، وفرش في المسجد , أمر مالك بن أنس بحبسه تعزيرًا له، حتى روجع في ذلك.
فذكر أن فعل هذا في مثل هذا المسجد بدعة يؤدب صاحبها.
وعلى الناس الإنكار على من يفعل ذلك، والمنع منه، لاسيما ولاة الأمر الذين لهم هنالك ولاية على المسجد، فإنه يتعين عليهم رفع هذه السجاجيد، ولو عوقب أصحابه بالصدقة بها، لكان هذا مما يسوغ في الاجتهاد. انتهى.



فهذا الإمام مالك اشتد في إنكار بدعة عملية ، ولم يطبق تلك الشروط التي ذكرها الدكتور .

رابعها : أن اللفظ إذا كان ظاهراه باطلاً فالواجب إنكاره ولا اعتبار لمقصد المتكلم
وقال الشيخ ربيع في جوابه حول مسألة اشتراط إقامة الحجة في التبديع .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل [ 1/254] :
" فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل.
ويرُاعون أيضاً الألفاظ الشرعية ، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا. ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه.
ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا ، وقالوا : إنما قابل بدعة ببدعة وردَّ باطلا بباطل" .
أقول – القائل الشيخ ربيع - :
في هذا النص بيان أمور عظيمة ومهمة يسلكها السلف الصالح للحفاظ على دينهم الحق وحمايته من غوائل البدع والأخطاء منها:

1- شدة حذرهم من البدع ومراعاتهم للألفاظ والمعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، فلا يعبرون - قدر الإمكان - إلا بالألفاظ الشرعية ولا يطلقونها إلا على المعاني الشرعية الصحيحة الثابتة بالشرع المحمدي.

2- أنهم حراس الدين وحماته، فمن تكلم بكلام فيه معنى باطل يخالف الكتاب و السنة ردوا عليه.
ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة ولو كان يرد على أهل الباطل، وقالوا إنما قابل بدعة ببدعة أخرى، ورد باطلا بباطل ، ولو كان هذا الراد من أفاضل أهل السنة والجماعة، ولا يقولون ولن يقولوا يحمل مجمله على مفصله لأنا نعرف أنه من أهل السنة.
قال شيخ الإسلام بعد حكاية هذه الطريقة عن السلف والأئمة :
" ومن هذا القصص المعروفة التي ذكرها الخلال في كتاب " السنة" هو وغيره في مسألة اللفظ والجبر".
أقول- القائل الشيخ ربيع - :
يشير - رحمه الله تعالى- إلى تبديع أئمة السنة من يقول:" لفظي بالقرآن مخلوق" لأنه يحتمل حقاً وباطلاً، وكذلك لفظ "الجبر" يحتمل حقاً وباطلاً ، وذكر شيخ الإسلام أن الأئمة كالأوزاعي وأحمد بن حنبل ونحوهما قد أنكروه على الطائفتين التي تنفيه والتي تثبته.
وقال رحمه الله:" ويروى إنكار إطلاق "الجبر" عن الزبيدي وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم.
وقال الأوزاعي وأحمد وغيرهما :" من قال جبر فقد اخطأ ومن قال لم يجبر فقد أخطأ بل يقال إن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ونحو ذلك , وقالوا ليس للجبر أصل في الكتاب والسنة وإنما الذي في السنة لفظ - الجبل- لا لفظ الجبر.
فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأشج عبد القيس:" إن فيك لخلقين يحبهما الله : الحلم والأناة فقال: أخلقين تخلقت بهما أم خلقين جبلت عليهما؟، فقال : " بل جبلت عليهما"، فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله".
وقالوا إن لفظ " الجبر" لفظ مجمل.
ثم بين أنه قد يكون باعتبار حقاً وباعتبار باطلاً، وضرب لكل منهما مثالاً." اهــ

فهذا في اللفظ المحتمل فكيف باللفظ الصريح في المعنى الباطل

قال الشيخ ربيع المدخلي في النصوص النبوية السديدة :
ومنها حديث ابن عباس-رضي الله عنهما - : أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ما شاء الله وشئت ! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : أجعلتني لله عدلاً.قل : ما شاء الله وحده.

الشاهد من الحديث : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الصحابي الجليل الذي لا يريد إلا إجلال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أجعلتني لله عدلاً ,وفي لفظ : أجعلتني لله ندًا .
وله شاهد من حديث قتيلة بنت صيفي الجهنية - رضي الله عنها - قالت : إن حبرًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : إنكم تشركون ، تقولون : ما شاء الله وشئت ، وتقولون : والكعبة . فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم- : قولوا : ما شاء الله ثم شئت ، وقولوا : ورب الكعبة .

والشاهد منه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يغضب من قول اليهودي بل أقره وأمر أصحابه : أن يقولوا القول الصواب الذي لا يخدش في التوحيد ، ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ولا أمر اليهودي بحمل المجمل على المفصل - صلى الله عليه وسلم-وهو الناصح الأمين .
وللحديثين شواهد في الجملة فيها النهي عن قول : ما شاء الله وشئت .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخطيب من خطباء أصحابه يريد الخير
. قال هذا الصحابي في خطبته : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى
فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: بئس خطيب القوم أنت .

هذا صحابي جليل - رضي الله عنه - لم يحمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجمله على مفصله وإن كان صحابيًا لا يريد إلا خيرًا.
هذا النص وحده في نظر المؤمنين يدك قواعد من يقول : " حمل المجمل على المفصل " و" منهج الموازنات " و " نصحح ولا نهدم الأشخاص " ، فهل هناك أشد من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : بئس خطيب القوم أنت !؟

فإذا قال خطيب قوم كلامًا باطلاً ، أو قال في كتاب ، أو شريط ببدعة فقلنا له : بئست البدعة بدعتك لحق لنا ذلك ؛ لأننا مستندون إلى جبل عظيم وهو هذا النص النبوي العظيم والموقف المحمدي الكريم .
فلو جاءنا احدهم بقال فلان وقال علان .
نقول له : سلم للأدلة واعرف قواعد السلف المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله مثل قولهم :
إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ) و ( كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أقول : فأين التأويل ؟ ، والحمل على أحسن المحامل لمن كان على الجادة وإن كان ظاهر كلامه باطلاً ؟.اهـ

قال الخلال في السنة [ 2109] :
سمعت أبا بكر المروذي يقول : أتيت أبا عبد الله ليلة في جوف الليل فقال لي : يا أبا بكر ، بلغني أن نعيماً كان يقول : لفظي بالقرآن مخلوق، فإن كان قاله فلا غفر الله له في قبره .

أقول : نعيم هنا هو نعيم بن حماد الإمام المعروف ، وقد كان شديداً على الجهمية ، حتى أنه وضع ثلاثة عشر كتاباً في الرد عليهم ، وقد ضيق على نعيم بن حماد بسبب رده عل الجهمية ، فمات في حبسه أيام المحنة بخلق القرآن
قال البخاري في خلق أفعال العباد [ 2/ 192] :
وَلَقَدْ بَيَّنَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ رحمه الله تعالى أَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ لَيْسَ بِخَلْقٍ ، وَأَنَّ الْعَرَبَ لاَ تَعْرِفُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ إِلاَّ بِالْفِعْلِ .
فَمَنْ كَانَ لَهُ فِعْلٌ فَهُوَ حَيٌّ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلٌ فَهُوَ مَيِّتٌ .
وَأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ ، فَضَيَّقَ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ ، وَتَوَجَّعَ أَهْلُ الْعِلْمِ لِمَا نَزَلَ بِهِ , وَفِي اتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نُعَيْمًا وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُ لَيْسَ بِمُفَارِقٍ وَلاَ مُبْتَدِعٍ ، بَلِ الْبِدَعُ وَالرَّئِيسُ بِالْجَهْلِ بِغَيْرِهِمْ أَوْلَى ، إِذْ يُفْتُونَ بِالآرَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ ، مَا لَمْ يأَذَنْ بِهِ اللَّهُ.اهـ
ولم يشفع كل هذا له عند الإمام أحمد ، لو كان قال بقول اللفظية

ولم يقل الإمام أحمد [ نتأول كلام نعيم فكيف يوافق الجهمية وقد كان شديداً عليهم] .

ولم يقل [ هو سني إمام والسني إذا أخطأ لم يخرجه ذلك من السنة ] ، كما يقوله بعضهم دونما تفريق بين أنواع الأخطاء .
ولم يقل [ لعله أراد كذا وكذا]

ولم يقل [ قد أفضى إلى ما قدم فمالي وماله ]

ولم يقل ننظر في الظروف المحيطة به حين قال تلك الكلمة .

خامسها :
إيجابه للضراعة إلى الله قبل الكلام في الناس وجعله شرطاً لا دليل عليه وإن كان حالاً فاضلاً ، وهلا أوجب الضراعة إلى الله قبل الكلام في أي مسألة من مسائل الدين ، بما في ذلك التعديل ، فإن تعديل المجروحين يترتب عليه مفاسد كثيرة

قال الشاطبي في الاعتصام [1/202] :
فَإِنَّ تَوْقِيرَ صَاحِبِ الْبِدْعَةِ مَظِنَّةٌ لِمَفْسَدَتَيْنِ تَعُودَانِ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالْهَدْمِ:

إِحْدَاهُمَا: الْتِفَاتُ الْجُهَّالِ وَالْعَامَّةِ إِلَى ذَلِكَ التَّوْقِيرِ، فَيَعْتَقِدُونَ فِي الْمُبْتَدِعِ أَنَّهُ أَفْضَلُ النَّاسِ، وَأَنَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِمَّا عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى اتِّبَاعِهِ عَلَى بِدْعَتِهِ دُونَ اتِّبَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى سُنَّتِهِمْ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إِذَا وُقِّرَ مِنْ أَجْلِ بِدْعَتِهِ صَارَ ذَلِكَ كَالْحَادِي الْمُحَرِّضِ لَهُ عَلَى إِنْشَاءِ الِابْتِدَاعِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَتَحْيَا الْبِدَعُ، وَتَمُوتُ السُّنَنُ، وَهُوَ هَدْمُ الْإِسْلَامِ بِعَيْنِهِ .اهـ

وتزكيتهم يلزم منها مساواتهم مع أهل الحق وهذا أيضاً مفسدته عظيمة
قال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ [1/323] كما في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية :
فالمساواة بين أهل الأهواء والزيغ وبين أهل الإيمان والمعاصي وجعلهم في رتبة أهل الإيمان أو فوقهم خلاف ما أحبه الله وأمر به عباده وهو في نفسه فساد وذلك سبب سخط الله وحلول عذابه فعليك بمن إذا قربتهم قربك الله وأحبك وإذا نصرتهم نصرك الله وأيدك واحذر أهل الباطل الذين إذا قربتهم أبعدك الله وأوجب لك سخطه قال تعالى: {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} وفي الحديث , من التمس رضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس رضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا.اهـ

قال الإمام البربهاري في شرح السنة [ 122 ] :
ولا يحل لرجل أن يقول فلان صاحب سنة حتى يعلم أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة فلا يقال له صاحب سنة حتى تجتمع فيه السنة كلها .اهـ

قال العلامة ربيع بن هادي المدخلي في كتابه الممتع [ عون الباري ببيان ما تضمنه شرح السنة للإمام البربهاري 2 / 942-925 ] :
يعني لا تشهد لإنسان أنه من أهل السنة إلا إذا عرفت أنه من أهل السنة , وأنه استوفى أصول أهل السنة , ويريد أن من أخل بأصل من أصول السنة فليس منهم , ومنها احترام الصحابة وإكرامهم , فمن نال من الصحابة فليس من أهل السنة ومن أبغضهم أو عاداهم أو كفرهم – والعياذ بالله – لا يفعل هذا إلا ضال مغرق في الضلال أو زنديق – والعياذ بالله - .
والحاصل أن الشهادة لشخص بأنه من أهل السنة تحتاج إلى تثبت , قال تعالى : { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} , وقال تعالى : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }
ومع الأسف فهناك أناس يشهدون لأناس بأنهم من أهل السنة , رغم ضلوعهم في البدع الكبرى الواضحة كالشمس , وهذا العمل من الأدلة على غربة السنة وأهلها .اهـ

والعجيب أن هذا الطرح – أعني طرح الدكتور إبراهيم - نراه فقط عند الكلام في جرح المجروحين ، ثم لا نجده عند الكلام في الأمور لذا نجد بعض المنتديات السلفية ، إذا كتبت مقالاً في أسماء الله وصفاته فإنه يذهب مباشرة وبدون مراجعة ، وإذا كتبت مقالاً في الرد على حزبي فإن ذلك لا ينشر إلا بعد المراجعة .

سادسها : أن وضع القيود على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يعني الأمر بالإحجام كما فعل الأخ الدكتور

قال شيخ الإسلام في الاستقامة [ 2/ 233] :
وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعا ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به فقيها فما ينهي عنه رفيقا فيما يأمر به رفيقا فيما ينهى عنه حليما فيما يأمر به حليما فيما ينهى عنه
وليعلم أن اشتراط هذه الخصال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يوجب صعوبته على كثير من النفوس فيظن انه بذلك يسقط عنه فيدعه وذلك قد يضره أكثر مما يضره الأمر بدون هذه الخصال أو اقل فإن ترك الأمر الواجب معصية وفعل ما نهى عنه في الأمر معصية فالمنتقل من معصية إلى معصية اكبر منها كالمستجير من الرمضاء بالنار والمنتقل من معصية إلى معصية كالمتنقل من دين باطل إلى دين باطل قد يكون الثاني شرا من الأول وقد يكون دونه وقد يكونان سواء فهكذا تجد المقصر في الأمر والنهي والمعتدي فيه قد يكون ذنب هذا أعظم وقد يكون ذنب ذاك أعظم وقد يكونان سواء .اهـ

فتأمل كيف أن شيخ الإسلام لم يأمر من لم تتوفر فيه شروط الأمر بالمعروف والنهي المنكر [ الصحيحة ] وليست المخترعة ، بأن يحجم كما فعل الدكتور ، بل قال أنه إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يدرى أيهما أعظم جرماً تركه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم فعله لهما بغير الشروط الصحيحة

سابعها : إيجابه للنظر في النيات تقدم نقضه وهو من تكليف ما لا يطاق ، وهو خلاف منهج السلف

قال البخاري في صحيحه [ 2641 ] :
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ :
إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ.

فتأمل قول عمر [ وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ) ومناقضته الجلية لما قرر الدكتور وفقه الله ]

وقبل أن أختم أود التنبيه على أمر مهم وهو تسمية النصيحة لهم [ تتبع عورات ]

أولاً : هذه الكلمة فيها طعن في نية المخالف وأنه يتتبع السقطات ،ولم نرهم يطعنون في نيات المخالفين
وهكذا [ مصطلح التمييع ] بدعة و [ الحدادية ] مصطلح أثري نرهب به كل من تكلم فينا
ولو كتب أحدهم منظومةً أو حاكى الحزبيين في قصصهم فإن ذلك جهد دعوي عظيم لا ينبغي إسقاطه ، ومهما فعل السلفيون فهم غلاة لا شيء عندهم إلا الجرح
ومن تكلم فيه السلفيون بشدة في أمر الدين ، قالوا له [ الرفق واللين ] ، وإذا تكلم فيهم أحد سلقوه بألسنة حداد !
فهل أعراضكم أجل من دين الله عز وجل تغضبون لها ولا تغضبون لدين الله عز وجل ؟

ثانياً : تسميتها عورات غير صحيح فالعورات في العادة تكون مستورة ، وهذه أقوال لكم مشهورة

ثالثاً : هذا فيه تزكية للنفس ، وأن أخطاءهم لا يوقف عليها إلا عند التنقير بنية سوء في كتبهم وأشرطتهم والواقع خلاف هذا تماماً ، بل يصدر بعضهم كتيباً أو مقالاً فترى فيه من المصائب ما يسع لرده مجلد ضخم ، ومع ذلك عامتهم لا يتراجع عن أغلاطه بل لهم كلامٌ في تزكية أنفسهم كثير حتى إن بعضهم قال لما رد عليه بعضهم [ لا يرد على العالم إلا العالم ]

قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة نقلاً عن الشيخ المتبع إسحاق العلثي في نصحيته لابن الجوزي [3/447]:
ولا يغرك كثرة إطلاعك عَلَى العلوم. فرب مبلَّغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه لا فقه لَهُ، ورب بحر كَدر ونهر صاف، فلستَ بأعلمِ من الرسول.
حيث قَالَ لَهُ الإمام عُمَر: " أتصلي عَلَى ابْن أَبِي؟ أنزل الْقُرْآن " وَلا تصلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهمْ " .
ولو كَانَ لا ينكر من قل علمه عَلَى من كثر علمه إِذَا لتعطل الأمر بالمعروف.
وصرنا كبني إسرائيل حيث قَالَ تَعَالَى: { كانوُا لاَ يَتَنَاهُوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ }.
بَل ينكر المفضول عَلَى الفاضل وينكر الفاجر عَلَى الولي، عَلَى تقدير معرفة الولي. وإلا فابن التنقا ليطلب وابن السمندل، ليجلب .اهـ

وقال العجلي في ثقاته في ترجمة أبي داود الطيالسي :
وقال له رجل: أيهما أحب إليك يغفر الله لك ذنبًا، أو تحفظ حديثًا فقال: أحفظ حديثًا، وكان يسيء الصلاة، فقال له رجل من مطوعة البصرة: يا أبا سعيد! الرجل يعظ من هو أفقه منه؟ قال: نعم، قال له: أحسن صلاتك. وكان يسيء الصلاة.اهـ

وقال ابن القيم في مدارج السالكين [ 2/52] :
والله يشكر لشيخ الإسلام سعيه ويعلي درجته ويجزيه أفضل جزائه ويجمع بيننا وبينه في محل كرامته فلو وجد مريده سعة وفسحة في ترك الاعتراض عليه واعتراض كلامه لما فعل كيف وقد نفعه الله بكلامه وجلس بين يديه مجلس التلميذ من أستاذه وهو أحد من كان على يديه فتحه يقظة ومناما
وهذا غاية جهد المقل في هذا الموضع فمن كان عنده فضل علم فليجد به أو فليعذر ولا يبادر إلى الإنكار فكم بين الهدهد ونبي الله سليمان وهو يقول له : [ أحطت بما لم تحط به ] وليس شيخ الإسلام أعلم من نبي الله ولا المعترض .اهـ
وحتى قال بعضهم [ البعض - يعني السلفيين - يظن أنه إذا لم يرد ضل الناس ]

وهذا يمكننا قلبه عليكم فنقول [ البعض يظن أنه إذا لم يؤلف أو ينزل الدروس فإن الناس يضلون ويظن أن من غلطه يهدم جهوده ] وغيرها من العبارات على هذا النسق

ومهما كان للمرء من جهود فلا يدري هل قبلها الله عز وجل أم لم يقبلها ، والأمر في أصله معاملة مع الله عز وجل

قال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة [1/298] :
مُحَمَّد بْن زهير أَبُو جَعْفَر نقل عَنْ إمامنا أشياء:
منها قَالَ: أتيت أبا عَبْد اللَّهِ فِي شيء أسأله عنه فأتاه رجل فسأله عَنْ شيء أو كلمه في شيء فقال: له جزاك اللَّه عَنِ الإسلام خيرًا فغضب أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وقال له من أنا حتى يجزيني اللَّه عَنِ الإسلام خيرًا بل جزى اللَّه الإسلام عني خيرًا.اهـ

فقارن حال الإمام مع حالهم في المنهج والسلوك والله المستعان

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم