المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فصل: فيما يحتاجُ إليه الكاتبُ على سبيلِ الإجمالِ..


ابنة السّلف
03-31-2011, 01:47 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

[فيما يحتاج إليه الكاتب على سبيل الإجمال:
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

وقد اختلفت مقاصد المصنفين في ذلك:
فابن قتيبة بعد أن بنى كتابه "أدب الكاتب" على أمور من اللغة والتصريف وطرف من الهجاء قال:
وليس كتابنا هذا لمن لم يتعلق من الإنسانية إلا بالجسم، ولا من الكتابة إلا بالرسم، ولم يتقدم من الأداة، إلا بالقلم والدواة؛ ولكنه لمن شدا شيئًا من الإعراب؛ فعرف:
الصدر والمصدر، وانقلاب الياء عن الواو، والألف عن الياء،
وأشباه ذلك من النظر في الأشكال لمساحة الأرضين! حتى يعرف المثلث القائم الزاوية! والمثلث الحاد! والمثلث المنفرج! ومساقط الأحجار! والمربعات المختلفات!
والقسي، والمدورات، والعمودين؛ وتمتحن معرفته بالعمل في الأرضين لا في الدفاتر!
فإن المخبر عنه ليس كالمعاين!
وذكر أن العجم كانت تقول:
من لم يكن عالمًا بإجراء المياه، وحفر فرض المشارب، وردم المهاوي، ومجاري الأيام في الزيادة والنقصان، ودوران الشمس، ومطالع النجوم، وحال القمر في استهلاله واتصاله، ووزن الموازين، وذرع المثلث والمربع والمختلف الزوايا، ونصب القناطر، والجسور، والدوالي، والنواعير على المياه، وحال أدوات الصناع، ودقائق الحساب، كان ناقصًا في حال كتابته!!!

ثم قال:
ولا بد له ـ مع ذلك ـ من النظر في:
جمل من الفقه والحديث، ودراسة أخبار الناس، وحفظ عيون الأخبار؛ ليدخلها في تضاعيف سطوره متمثلاً بها إذا كتب، أو يصل بها كلامه إذا حاور.

وختم ذلك بأن قال:
ومدار الأمر في ذلك كله على القطب؛ وهو: (العقل، وجودة القريحة)! فإن القليل معهما بإذن الله تعالى كاف، والكثير مع غيرهما مقصر!

وتابعه أبو هلال العسكري في بعض ذلك؛ فقال في بعض أبواب كتابه "الصناعتين":
ينبغي أن تعلم أن الكتابة تحتاج إلى آلات كثيرة! وأدوات جمة!
من معرفة: العربية لتصحيح الألفاظ وإصابة المعنى...
وإلى الحساب! وعلم المساحة!
والمعرفة بالأزمنة والشهور والأهلة!
وغير ذلك مما ليس هذا موضع ذكره وشرحه!

ولا يخفى أن ما ذكره، وبعض ما ذكره ابن قتيبة، يتواردان فيه في المعنى واختلف اللفظ.

وخالف أبو جعفر النحاس في كثير من ذلك؛ فذكر في أول كتابه "صناعة الكتاب" في المرتبة الثانية منه؛ بعد ما يتعلق بالخطّ؛ أن:
من أدوات الكتابة: البلاغة، ومعرفة الأضداد مما يقع في الكتاب والرسائل والعلم بترتيب أعمال الدواوين، والخبرة بمجاري الأعمال، والدربة بوجوه استخراج الأموال، مما يجب ويمتنع.

ثم قال:
فهذه الآلات ليس لواحد منها تميز بذاته، ولا انفراد باسم يخصه؛ وإنما هو جزء من الكتابة وأصل من أركانها.
أما الفقه والفرائض والعلم بالنحو واللغة وصناعة الحساب والمساحة والنجوم، والمعرفة بإجراء المياه، والعلم بالأنساب؛ فكل واحد منها منفرد على حدته؛ وإن كان الكاتب يحتاج إلى أشياء منها نحو ما يكتب بالألف والياء، وإلى شيء من المقصور والممدود.
ولو كلف الكاتب ما ذكره من ذكره لجعل الأصعب طريقًا للأسهل، والأشق مفتاحًا للأهون! وفي طباع الناس النفار عما ألزمهم من جميع هذه الأشياء!

قلتُ:
والتحقيق أن ذلك يختلف باختلاف حال الكتابة بحسب تنوعها، فكل نوع من أنواعها يحتاج إلى معرفة فن أو فنون تختص به!] انتهى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ


من كتاب: صبح الأعشى
المقالة الأولى/ بيان ما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من المواد/ الباب الأول: فيما يحتاج إليه الكاتب من الأمور العلمية/ الفصل الأوّل.

ابنة السّلف
03-31-2011, 02:03 AM
وبعد أن ذكر القلقشندي ـ صاحب صبح الأعشى ـ ما سبق؛ عرّج على قصة طريفة وطويلة نوعًا ما؛ يمكن لنا أن نعنونها بـ:
(الكتّابُ خمسةٌ فأيّهم أنت؟!)
أو:
(حائكُ كلام)!
ثمّ قال بعدها ـ أي بعد القصّة ـ:
[فقد تبيّن بهذه الحكاية أنّ لكلّ نوع من الكتابة مادّة يحتاج إليها بمفردها، وآلة تخصّها؛ لا يُستغنى عنها]!
وأردف متابعًا:
[على أنّ كاتب الإنشاء ـ في الحقيقة ـ لا يستغني عن (علم)! ولا يسعه الوقوف عند (فنّ)]!