المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (زجر السلف عن مناظرة المبتدعة أهل التلف)


فتحي العلي
02-24-2011, 08:59 PM
(زجر السلف عن مناظرة المبتدعة


أهل التلف)





أصول تلك الأسباب ثلاثة :

أولاً : أنه لا تُرجى أوبتهم عن مذهبهم إلى حضيرة الحق إذا ظهرَ لهم الحقُ في غيره :

علّلَ السلف الصالح نهيهم عن مناظرة المبتدعة بأنه لا يطمع في رجوعهم عن بدعتهم بالمناظرة , فمناظرتهم شغلٌ لا فائدة فيه , و مآلها إلى المراء

قال أبو القاسسم الأصبهاني: (( قالَ علماء ُ السلف : ما وجدنا أحداً من المتكلمين في ماضي الأزمان إلى يومنا هذا رَجَعَ إلى قول خصمه , ولا انتقَلَ عن مذهبه إلى مذهب مُناظره , فدلَّ ذلك أنهم اشتغلوا بما تركه خيرٌ من الاشتغال به )

و يقول الأمام الشافعي - رحمه الله - (( ما ناظرت أحداً علمت أنه مقيمٌ على بدعة ))

قال البيهقي معلقاً على كلام الامام الشافعي - رحمه الله - : (( و هذا لأن المقيم على البدعة قلَّما يرجع بالمناظرة عن بدعته , و إنما كان يُناظر من يرجو رجوعه إلى الحق إذا بيَّنه له ))

وهذا الكلام من السلف في عدم رجوع المقيم عن بدعته هو الغالب , ولكن قد حصل شذوذٌ في ذلك , فرُبَّما رجع المقيم على البدعة عن بدعته و الشاذيُحفظ ولا يقاس عليه )) (*)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : (( هذا أبو الحسن الأشعري نشأ في الاعتزال اربعين عاماً يناظر عليه , ثم رجع عن ذلك , و صرح بتضليل المعتزلة , و بالغ في الرد عليهم ))


ثانياً : إماتة ذكرهم حتّى لا يعرفوا بين الناس فتشتهر بدعهم و شبههم

:
إذا كان المبتدعة مقيمون في بلد السنة , و الحق ظاهر قد عرفه المسلمون , و جب الامساك عن مناظرتهم منعاً لظهورهم و اشتهار شبههم , فإنهم إن ظهروا و اشتهروا تضرر بذلك المسلمون - و لا سيما العامة الجهلة - أشد الضرر .

قال الامام مسلم - رحمه الله - : (( الاعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته , و إخماد ذكر قائله , و أجدر ألا يكونَ ذلك تنبيهاً للجُهَّال عليه )

و قال الامام اللالكائي : (( فما جنى على المسلمين جناية اعظم من مناظرة المبتدعة , و لم يكن قهرٌ ولا ذلٌ أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة , يموتون من الغيظ كمداً و درداً , و لا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلاً , حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقاً , و صاروا إلى هلاك الاسلام دليلاً , حتى كثرت بينهم المشاجرات , و ظهرت دعوتهم بالمناظرة , و طرقت أسماعَ منْ لمْ يكن عرفها من الخاصة , و العامة , حتى تقابلت الشبه في الحجج , و بلغوا من التدقيق في اللجج , فصاروا أقراناً و أخدانا و على المداهمة خلانا و إخواناً , بعد أن كانوا في دين الله أعداء و أضداداً , و في الهجرة في الله أعوناً , يكفرونهم في وجوههم عيانً , و يلعنونهم جهاراً , و شتان ما بين المنزلتين , و هيهات ما بين المقامين ))

قال الشيخ بكر أبو زيد غفر لله له (( نصيحتي لكل مسلم سلم من فتنة الشبهات في الاعتقاد : أن البدعة إذا كانت مقموعة خافتة , و المبتدع إذا كان منقمعاً مكسور الفس بكبت بدعته فلا يحرك النفوس بتحريك المبتدع و بدعته , فلا يحرك النفوس بتحريك المبتدع و بدعته فانها اذا حُركت نمت و ظهرت , و هذا أمرٌ جُلبت عليه النفوس و منه في الخير أن النفوس تتحرك إلى الحج إذا ذكرت المشاعر , و في الشر إذا ذكرت النساء و التغزل و التشبيب بهن , و تحركت النفوس الى الفواحش .
و هذا الكتمان و الاعراض في باب المجاهدة و الجهاد , فكما يكون الحق في الكلام , فإنه يكون الحقُ في الكلام , فإنه يكون في السكوت و الإعراض , فتنزل كل حالة منزلتها , و الله أعلمُ )
و اعلم - اخي المحاور - أنك لن ترد عليه بشىء أشد من السكوت و الإمساك عن مناظرتهم .

قال الآجري : (( سكوتك عنهم , و هجرتك لما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك لهم , كذا قال من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين ))
و أما اذا كان الباطل ظاهراً على الحق و البدع منتشرة رائجة , فلا بد من الرد و المناظرة .
قال ابن قتيبة - رحمه الله - في السكوت : (( و إنما يجوز أن يؤمؤ بهذا قبل تفاقم الأمر و وقوع الشحناء , و ليس في غرائز الناس احتمال الامساك عن أمر في الدين قد انتشر هذا الانتشار , و ظهر هذا الظهور , و لو أمسك عقلاؤهم ما أمسك جهلاؤهم , و لوم أمسكت الألسنه ما أمسكت القلوب , و قد كان لهؤلاء أسوة فيمن تقدم من العلماء حين تكلم جهم و أبو حنيفة في القرآن و لم يكن دار بين الناس قبل ذلك ولا عرف و لا كان مما تكلم الناس فيه , فلما فزع الناس الى علمائهم لم يقولوا : هذه بدعة لم يتكلم الناس فيها , و لم يتكلفوها , و لكنهم أزالوا الشك باليقين , و جلوا الحيرة , و كشفوا الغمة , و أجمع رأيهم على أنه غير مخلوق , فأفتوهم بذلك , و أدلوا بالحجج و البراهين , و ناظروا و قاسوا , و استنبطوا الشواهد من كتاب الله عز و جل )

ثالثاً : الاحتراز من فتنتهم :
و من الأسباب أيضاً في زجر السلف عن مناظرة المبتدعة خوفهم على أنفسهم و على غيرهم من أن تفسد قلوبهم البدع و الشبهات ولا سيما العامة الجهلة .
قال الراغب الاصفهاني : (( كره للعامة أن يجالسوا أهل الأهواء و البدع , لئلاَّ يغووهم , فالعامي اذا خلا بذوي البدع كالشاة اذا خلا بها السبع ))
و قال الأوزاعي - رحمه الله - : (( ولا تمكنوا صاحب بدعة من جدال , فيورث قلوبكم من فتنة ارتياباً )
و قال الحسن البصري : (( لا تمكن أذنيك من صاحب هوى , فيمرض قلبك )
و قال مفضل بنه مهلهل : (( لو كان صاحب البدعة إذا جلست اليه يحدثك ببدعته , حذرته و فررت منه , ولكنه يحدثك باحديث السنة في بدء مجلسه ثم يدخل عليك بدعته , فلعلَها تلزم قلبك , فمتى تخرج من قلبك ؟! )

و قال بعض أئمة السلف (( من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة - و هو يعلم أنه صاحب بدعة - نزعت منه العصمة , و وكل إلى نفسه )
و قال سفيان الثوري (( من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه , و لا يلقها في قلوبهم )
أورده الذهبي في السير , و عقب عليه بقوله : (( أكثر أئمة السلف على هذا التحذير يرون أن القلوب ضعيفة , و الشبه خطافة )
و قال ابن بطه : (( فالله الله معشر المسلمين , لا يحملن أحداً منكم حسن ظنه بنفسه , و ما عهده من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينه في مجالسة اهل الاهواء فيقول : أداخله لأناظره , أو لأسترخج منه مذهبه , و إنهم أشد فتنة من الدجال و كلامهم الصق من الجرب و احرق للقلوب من اللهب و لقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم و يسبونهم , فجالسوهم على سبيل الانكار و الرد عليهم , فما زالت بهم المباسطة , و خفي المكر , و دقيق الكفر حتى إليهم )
فهذه طريقة الراسخ المدرك لصحة ما يعلمه , و أما الذي يتلمس الحق في مناظرة المبتدعة و الضلال , فهذا قد جوَّز وجود الحق في قولهم فلن يكن عنده علم جازم بل و لا ظن راجح بل شك و جهالة اما مناظرات السلف لاهل الباطل فهي على سبيل قطع شرهم لا على سبيل تلمس الحق في أقوالهم .
و اياك - أيها السني - أن يلبس عليك إبليس , فيتدرج معك الى الاستماع شبه الاهواء مع عدم قبولها ثم تأسر قلبك شبهةٌ قد لا تنفك عنها
قال البربهاري : (( و إذا أردت الاستقامة على الحق و طريق أهل السنة فاحذر الكلام و اصحاب الكلام و اصحاب الكلام , و الجدال و المراء و القياس و المناظرة في الدين فإن استماعك منهم - و إن لم تقبل منهم - يقدح الشك في القلب و كفى به قبولا فتهلك و ما كان زندقة قط و لا بدعة و لاهوى و لا ضلالة الا من الكلام و الجدال و المراء و القياس و هي ابواب البدعة و الشكوك و الزندقة )
و قال ابن الوزير (( وردت نصوص تقتضي العلم - أو الظن - أن الخوض في علم الكلام على وجه التقصي للشبهة , و الأصغاء إليها و التفتيش عن مباحث الفلاسفة و المبتدعة المشكلة في كثير من الجليات, مضرة عظيمة , ممرضة لكثير من القلوب الصحيحة , و دفع المضرة المظنونة واجب عقلاً , و قد شهدت بذلك التجارب مع النصوص , و ضل بسبب اثنتان و سبعون فرقة )
وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه وسلم
منقول
وإسم المقال مني
والله المستعان