المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ساعةًوساعةً


ابنة السّلف
02-11-2011, 12:25 AM
بسم الله الرّحمن الرّحيم

في مقام شعور النّفس أنّ العمر يمضي؛ والحياة فاضت عقباتها؛ وتشعبّت أوديتها؛ وكثرت ملهياتها؛ ممّا زاد في ضعف الإيمان؛ حتى بات المرء يقول لنفسه تلك: هل أنا (منافق)؟!
أسمع الدّرس فيتجدّد إيماني؛ أقرأ الأقوال والحكم السّلفيّة فأنشط للعبادة؛ ثمّ لا ألبث أن تصطادني شبكة غرور الدّنيا وزخرفها!
في ظلّ ذلك؛ يحتاج المرء أن يستهدي بهديه صلّى الله عليه وسلّم؛ لذا أسوق هذا الحديث...
سائلة الله عزّ وجلّ أن تأتي ساعة الأجل ونحن في موطن طاعته ورضاه جلّ في علاه؛ لا على لهو الدّنيا ولعبها!
فإلى الحديث وشيء من شرحه:

عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ قَالَ ـ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ:
لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ:
كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟
قَالَ: قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ!!
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا تَقُولُ؟!
قَالَ: قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ؛ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ!
فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ؛ فَنَسِينَا كَثِيرًا!
قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا!
فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قُلْتُ:
نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ الله!
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَمَا ذَاكَ؟
قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللهِ! نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ؛ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ!
فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ؛ نَسِينَا كَثِيرًا!
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ؛ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ؛ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ: سَاعَةً وَسَاعَةً! ثَلاَثَ مَرَّاتٍ)).


[صحيح مسلم]


وقد جاء في معنى الحديث:
"من شرح النّووي على مسلم":
(رأي عين): بالرفع أي: كأنا بحال من يراها بعين. قال: ويصح النصب على المصدر؛ أي: نراها رأي عين.
(عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات): معناه: حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به، أي: عالجنا معايشنا وحظوظنا.
(والضيعات): جمع ضيعة بالضاد المعجمة؛ وهي: معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة.
(نافق حنظلة): معناه: أنه خاف أنه منافق ، حيث كان يحصل له الخوف في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، ويظهر عليه ذلك مع المراقبة والفكر، والإقبال على الآخرة؛ فإذا خرج اشتغل بالزوجة والأولاد ومعاش الدنيا.
وأصل النفاق: إظهار ما يكتم خلافه من الشر؛ فخاف أن يكون ذلك نفاقًا؛ فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بنفاق؛ وأنهم لا يكلفون الدّوام على ذلك.
(ساعة وساعة)؛ أي: ساعة كذا وساعة كذا.
(مه): قال القاضي: معناه الاستفهام؛ أي: ما تقول؟
والهاء هنا هي هاء السكت، قال: ويحتمل أنها للكفّ والزجر والتعظيم لذلك ." ا.هـ باختصار.

وفي "حاشية السّندي على ابن ماجة":
"(نافقت): أي تغير حالي؛ بحيث لا ينبغي الغفلة عنهما لمن آمن بهما؛ فالغفلة عنهما تشبه أن تكون من الإنكار الباطني لوجودها؛ وبالجملة فقد اشتبه عليه وجود الإيمان بهما في قلبه بلا شكّ، وعده نفاقًا؛ وبهذا ظهر أن الشّكّ في الإيمان ليس بمكفر، وإنما الشّكّ في المؤمَن به هو المكفّر.
(لو كنتم كما تكونون): نبههم على أن الحضور لا يدوم عادة، وعدمه لا يضرّ في وجود الإيمان في القلب، والغفلة إنما تنافي الحضور؛ فلا يلزم منها عدم الإيمان.
(ساعة) يكون الحضور لينتظم به أمر الدين، و(ساعة) تكون الغفلة لينتظم بها أمر الدّين والمعاش، وفي كل منهما رحمة على العباد."ا.هـ باختصار.

فلله الحمد من قبلُ ومن بعدُ.