المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلامة الأبدان من مجالسة المردان (( الأحداث ))


أبو أحمد علي بن أحمد السيد
06-21-2010, 01:13 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القوي المتين ، القاهر الظاهر الملك الحق المبين ، لا يخفى على سمعه خفيف الأنين ، ولا يعزب عن بصره حركات الجنين ، ذل لكبريائه جبابرة السلاطين ، وقضى القضاء بحكمته وهو أحكم الحاكمين ، أحمده حمد الشاكرين , وأسأله معونة الصابرين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إله الأولين والآخرين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى على العالمين , المنصور ببدر بالملائكة المنزلين , صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين , وسلم تسليما.
إخواني :هذه بعض من أثار سلفنا الصالح وهي حول مجالسة الأحداث (( المردان )) وكيف نتعامل معهم.
وأتمنى على من وقف على غير هذه الآثار في المسألة ألا يبخل علينا بها مع عزوها إلى مصادرها.

1- قال عبدالله بن بُريدة الأسلمي - رضي الله عنه - : (( بينما عمر ابن الخطاب –رضي الله عنه - يعس ذات ليلة إذا إمرأة تقول :

هل من سبيل إلى خمرٍ فأشربها ... أم هل سبيلٌ إلى نصر بن حجاج

فلما أصبح سأل عنه، فإذا هو من بني سليم فأرسل إليه فأتاه فإذا هو من أحسن الناس شَعراً وأصبحهم وجهاً، فأمره عمر أن يَطُمّ شعره؛ ففعل، فخرجت جبهته فازداد حسناً، فأمره عمر أن يَعْتمّ؛ ففعل، فازداد حسناً، فقال عمر : لا والذي نفسي بيده لا تُجامعُني بأرض أنا بها !! فأمر لـه بما يُصلحه وسيّره إلى البصرة)).

2- قال بعض التابعين : ((مَا أَنَا عَلَى الشَّابِّ النَّاسِكِ مِنْ سَبْعٍ يَجْلِسُ إلَيْهِ بِأَخْوَفَ مِنِّي عَلَيْهِ مِنْ حَدَثٍ يَجْلِسُ إلَيْهِ)).

3- وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَبِشْرٌ الْحَافِي : (( إنَّ مَعَ الْمَرْأَةِ شَيْطَانًا وَمَعَ الْحَدَثِ شَيْطَانَيْنِ)).

4- وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَا يَدَعُ أَمْرَدَ يُجَالِسُهُ.

5- وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ :يَمْنَعُ دُخُولَ الْمُرْدِ مَجْلِسَهُ لِلسَّمَاعِفَاحْتَالَ هِشَامٌ فَدَخَلَ فِي غِمَارِ النَّاسِ مُسْتَتِرًا بِهِمْ وَهُوَ أَمَرَدُ فَسَمِعَ مِنْهُ سِتَّةَ عَشَرَ حَدِيثًافَأَخْبَرَ بِذَلِكَ مَالِكٌ فَضَرَبَهُ سِتَّةَ عَشَرً سَوْطًافَقَالَ هِشَامٌ :لَيْتَنِي سَمِعْت مِائَةَ حَدِيثٍ وَضَرَبَنِي مِائَةَ سَوْطٍ.

6- وَكَانَ يَقُولُ – أي الإمام مالك - : ((هَذَا عِلْمٌ إنَّمَا أَخَذْنَاهُ عَنْ ذَوِي اللِّحَى وَالشُّيُوخِ فَلَا يَحْمِلُهُ عَنَّا إلَّا أَمْثَالُهُمْ)).

7- قال الجنيد بن محمد - رحمه الله -: ((جَاءَ رَجُلٌ إلَى أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ مَعَهُ غُلَامٌ أَمْرَدُ حَسَنُ الْوَجْهِفَقَالَ لَهُ :مَنْ هَذَا الْفَتَىفَقَالَ الرَّجُلُ :ابْنِي فَقَالَ لَا تَجِئْ بِهِ مَعَك مَرَّةً أُخْرَىفَلَامَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَفَقَالَ أَحْمَد :عَلَى هَذَا رَأَيْنَا أَشْيَاخَنَا وَبِهِ أَخْبَرُونَا عَنْ أَسْلَافِهِمْ)).

8- وَجَاءَ حَسَنُ بْنُ الرازي إلَى أَحْمَد :وَمَعَهُ غُلَامٌ حَسَنُ الْوَجْهِ فَتَحَدَّثَ مَعَهُ سَاعَةً فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَقَالَ لَهُ أَحْمَد :يَا أَبَا عَلِيٍّ لَا تَمْشِ مَعَ هَذَا الْغُلَامِ فِي طَرِيقٍفَقَالَ :يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنَّهُ ابْنُ أُخْتِيقَالَ :وَإِنْ كَانَ : لَا يَأْثَمُ النَّاسُ فِيك.

9- قال يحيى بن معين - رحمه الله -: ((مَا طَمِعَ أَمْرَدُ أَنْ يَصْحَبَنِي وَلَا أَحْمَد بْنَ حَنْبَلٍ فِي طَرِيقٍ)).

10- قال سعيد بن المسيب - رحمه الله -: ((إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يُلِحُّ بِالنَّظَرِ إلَى الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ فَاتَّهِمُوهُ)).

11- قال الحسن بن ذكوان - رحمه الله -: ((لَا تُجَالِسُوا أَوْلَادَ الْأَغْنِيَاءِ فَإِنَّ لَهُمْ صُوَرًا كَصُوَرِ النِّسَاءِ وَهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ الْعَذَارَى)).

13- قَالَ المروذي قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي أَحْمَد بْنَ حَنْبَلٍ - : ((الرَّجُلُ يَنْظُرُ إلَى الْمَمْلُوكِقَالَ :إذَا خَافَ الْفِتْنَةَ لَمْ يُنْظَرْ إلَيْهِ كَمْ نَظْرَةٍ أَلْقَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا الْبَلَاءَ)).

14- وقال أيضاً : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : (( رَجُلٌ تَابَ وَقَالَ :لَوْ ضُرِبَ ظَهْرِي بِالسِّيَاطِ مَا دَخَلْت فِي مَعْصِيَةٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَدَعُ النَّظَرَفَقَالَ :أَيُّ تَوْبَةٍ هَذِهِ)).

15- وَوَقَفَتْ جَارِيَةٌ لَمْ يُرَ أَحْسَنُ وَجْهًا مِنْهَا عَلَى بِشْرٍ الْحَافِي :فَسَأَلَتْهُ عَنْ بَابِ حَرْبٍ فَدَلَّهَا ثُمَّ وَقَفَ عَلَيْهِ غُلَامٌ حَسَنُ الْوَجْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ بَابِ حَرْبٍ فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْغُلَامُ السُّؤَالَ فَغَمَّضَ عَيْنَيْهِفَقِيلَ لَهُ :يَا أَبَا نَصْرٍ جَاءَتْك جَارِيَةٌ فَسَأَلَتْك فَأَجَبْتهَا وَجَاءَك هَذَا الْغُلَامُ فَسَأَلَك فَلَمْ تُكَلِّمْهُفَقَالَ :نَعَمْ .يُرْوَى عَنْ سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ :(( مَعَ الْجَارِيَةِ شَيْطَانٌ وَمَعَ الْغُلَامِ شَيْطَانَانِ)) فَخَشِيت عَلَى نَفْسِي شَيْطَانَيْهِ.

16- وقال أبو علي الروذباري:قال لي أبو العباس أحمد بن المؤدب :يَا أَبَا عَلِيٍّ مِنْ أَيْنَ أَخَذَ صُوفِيَّةُ عَصْرِنَا هَذَا الْأُنْسَ بِالْأَحْدَاثِ وَقَدْ تَصْحَبُهُمْ السَّلَامَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ ؟فَقَالَ : (( هَيْهَاتَ قَدْ رَأَيْنَا مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُمْ إيمَانًا إذَا رَأَى الْحَدَثَ قَدْ أَقْبَلَ فَرَّ مِنْهُ كَفِرَارِهِ مِنْ الْأَسَدِ وَإِنَّمَا ذَاكَ عَلَى حَسَبِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تَغْلِبُ الْأَحْوَالُ عَلَى أَهْلِهَا فَيَأْخُذُهَا تَصَرُّفُ الطِّبَاعِ مَا أَكْثَرَ الْخَطَأِ مَا أَكْثَرَ الْغَلَطِ)).

17- وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ الْقَزْوِينِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ بِشْرٍ أَنَّهُ قَالَ :(( احْذَرُوا هَؤُلَاءِ الْأَحْدَاثَ)).

18- وَقَالَ فَتْحٌ الْمُوصِلِيُّ : (( صَحِبْت ثَلَاثِينَ شَيْخًا كَانُوا يُعَدُّونَ مِنْ الْأَبْدَالِ كُلُّهُمْ أَوْصَانِي عِنْدَ مُفَارَقَتِي لَهُ :اتَّقِ صُحْبَةَ الْأَحْدَاثِ : اتَّقِ مُعَاشَرَةَ الْأَحْدَاثِ)).

19- وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَهْلٍ الصعلوكي قَالَ : (( سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمْ اللُّوطِيُّونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ . صِنْفٌ يَنْظُرُونَ وَصِنْفٌ يُصَافِحُونَ وَصِنْفٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ الْعَمَلَ)).

20- وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النخعي :كَانُوا يَكْرَهُونَ مُجَالَسَةَ الْأَغْنِيَاءِ وَأَبْنَاءِ الْمُلُوكِوَقَالَ :مُجَالَسَتُهُمْ فِتْنَةٌ إنَّمَا هُمْ بِمَنْزِلَةِ النِّسَاءِ.



المرجع :


جميع هذه الآثار من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية

ما عدا الأثر الأول أخرجه ابن سعد : ( 3/285 )، الإصابة : ( 8845 ) وقال ابن حجر : أخرجه ابن سعد، والخرائطي بسند صحيح


يتبع بأقوال شيخ الإسلام في المسألة إن شاء الله

أبو عبد الرحمن عبدالله العماد
06-21-2010, 03:01 AM
أحسن الله اليك اخي الفاضل
نرجوا إثراء هذا الموضوع

أبو عبد الرحمن لخضر ابن أحمد السبداوي
06-22-2010, 01:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

جزاك الله خيرا أخي أبو أحمد على حسن اختيارك لهذا الموضوع ، وإن كنت أودّ أن يبتدأ هذا الموضوع بتعريف للأمرد، ثمّ الوقوف بعد ذلك على كلام أهل العلم في ضابط الأمرد والتفصيل في حكم مجالسته .
----------------------------------------------------------
تعريف الأمرد:


قال ابن منظور في اللسان (مرد) : ( والأمرد : الشاب الذي بلغ خروج لحيته ، وطر شاربه ، ولم تبد لحيته ، ومرد مرداً ومرودة وتمرد بقي زماناً ثم التحى بعد ذلك ) .




قال ابنُ حجر في الفتح : (ومنه الأمرد : لتجرده من الشعر)





وقال المناوي في التعاريف (1/ 647) : ( المردة : جمع مارد وهو العاتي من الجن ، ومنه الأمرد ، لأنّه في عنفوان الشباب وأنشطه ، ومنه شجرة مرداء : لا شوك فيها.

وقال آخر : المرد : الأرض الخالية من النبات ، ومنه اشتقاق الأمرد لخلو وجهه عن الشعر).






وقال ابن الأَعرابـي: الـمَرَدُ نَقَاءُ الـخدين من الشعر ونَقاء الغُصْن من الوَرَق. والأَمْرَدُ: الشابُّ الذي بلغَ خروج لِـحْيته وطَرَّ شاربه ولـم تبد لـحيته. ومَرِدَ مَرَداً ومُرُودة وتَمَرَّد: بقـي زماناً ثم التـحى بعد ذلك وخرج وجهه.





وقال الأصمعي:







أَرض مَرداءُ، وجمعها مَرادٍ، وهي رمال منبطحة لا يُنْبَتُ فـيها؛ ومنها قـيل للغلام أَمْرَدُ. ومَرْداء هجر: رملة دونها لاتُنْبِتُ شيئاً؛ قال الراجز:





هَلاَّ سَأَلْتُمْ يَوْمَ مَرْدَاءِ هَجَرْ





وأَنشد الأَزهري بـيت الراعي:





ومَنْ بالـمَرادِي مِنْ فَصِيحٍ وأَعْجَما





وقال الكسائي: شجرة مَرْداء وغصن أَمْرَدُ لا ورق علـيهما. وفرس أَمْرَدُ: لا شعر علـى ثُنَّتِه. والتَّمْرِيدُ: التَّمْلـيسُ والتَّسْوِيةُ والتَّطْيِـينُ. قال أَبو عبـيد: الـمُـمَرَّد بِناء طويل؛ قال أَبو منصور: ومنه قوله تعالـى::





{صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ } وقـيل: الـمـمرَّد الـمـملس. وتَمريد البناء: تملـيسه. وتمريدُ الغصن: تـجريده من الورق.





ومَرَدَ الشيء: لـينه.





- الصحاح-





وجاء في مقاييس اللغة :





مرد: الميم والراء والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على تَجريدِ الشَّىء من قِشْرِه أو ما يعلوه من شَعَرِه. والأمرد: الشّابُّ لم تَبدُ لِحيتُه، ومَرِدَ يَمْرَدُ، ومرَّدَ الغُصن تمريدًا: ألقَى عنه لِحاءَه فتركَهُ أمْرَد، ومنه شجرةٌ مَرْداء، والمَرْداء: رملةٌ منبطِحةٌ لا نَبْت فيها، والجمع مَرادَى .





وخلاصة القول أنّ الأمرد هو الشاب الذي بلغ خروج لحيته وطر شاربه ولم تبد لحيته.فنخرج من هذا التعريف بأن من خرجت لحيته وإن كانت خفيفة تدل على رجولته فليس بأمرد .
والله أعلم .

الحاج الخديم البورقيقي
06-29-2010, 03:56 AM
المراد بالأمرد : هو الشاب الذي بلغ خروج لحيته وطر شاربه ولم تبد لحيته . لسان العرب :6/4172.
وقال ابن القطان الفاسي – رحمه الله - : ( ونعني به من لم يلتح بعدُ ، أو غلام لم يدرك ، ممن تميل الأبصار إليهم وتتحرك الطباع من بعض الناس إلى الهوى باستحسانهم ) أحكام النظر ص257 .

ـ وقد استدل السلف الصالح - رحمهم الله - على تحريم النظر إلى المردان بعدة أدلة منها:

1- قول الله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصرهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون }[ سورة النور آية : 30] .

2- عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لكل بني آدم حظ من الزنا فالعينان يزنيان وزناهما النظر ) رواه أحمد وغيره.
إلى غير ذلك من الأدلة التي تدل على تحريم النظر للمحرمات ، وأما ما جاء عن السلف في ذلك ، فهو كثير جداً ، وإليك بعض ما يسر الله لي من أقوالهم :

ـ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه - : ( ما أتى على عالم من سبع ضار أخوف عليه من غلام أمرد ) . تلبيس إبليس ص311.

ـ وقال الحسن بن ذكوان - رحمه الله - : ( لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صوراً كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى ) شعب الإيمان (4/358) .

ـ وقال أبي السائب - رحمه الله - : ( لأنا أخوف على عابد من غلام من سبعين عذراء ) ذم الهوى ص92 .


ـ وقال بشر بن الحارث- رحمه الله - : ( احذروا هؤلاء الأحداث )ذم الهوى ص94.

ـ وقال المروذي - رحمه الله - : ( جاء حسن البزاز إلى أبي عبدالله ، يعني أحمد بن حنبل ، ومعه غلام حسن الوجه فتحدث معه ، فلما أراد أن ينصرف قال له أبو عبد الله : يا أبا علي لا تمش مع هذا الغلام في طريق ، فقال له : إنه ابن أختي ، قال : وإن كان ، لا يهلك الناس فيك ) وفي لفظ ( لئلا يظن بك بعض من لا يعرفك وتعرفه سوءاً ) ذم الهوى ص94 ، وتلبيس إبليس ص 311

ـ وقال أبو سهل – رحمه الله - : ( سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم اللوطيون على ثلاثة أصناف : صنف ينظرون ، وصنف يصافحون ، وصنف يعملون ذلك العمل ) . شعب الإيمان (4/358) .

ـ وقال فتح الموصلي - رحمه الله - : ( صحبت ثلاثين من الأبدال ، كلهم يوصيني عند فراقه بترك صحبه الأحداث ) ذم الهوى .

ـ وقال بقية بن الوليد- رحمه الله – : ( كانوا يكرهون النظر إلى الغلام الأمرد الجميل ) ذم الهوى .
ـ وقال جنيد – رحمه الله - : ( جاء رجل إلى أحمد بن حنبل ومعه غلام حسن الوجه فقال له: من هذا، قال : ابني فقال أحمد لا تجئ به معك مرة أخرى فلما قام قال له محمد بن عبد الرحمن الحافظ أيد الله الشيخ أنه رجل مستور وابنه أفضل منه فقال أحمد الذي قصدنا إليه من هذا الباب ليس يمنع منه سترهما على هذا رأينا أشياخنا وبه أخبرونا عن أسلافهم رحمهم الله ) ذم الهوى ص94 ، وتلبيس إبليس ص 311 .

ـ قال ابن الجوزي – رحمه الله - : ( قوم لم يقصدوا صحبة المردان وإنما يتوب الصبي ويتزهد ويصحبهم على طريق الإرادة فيلبس إبليس عليهم ويقول لا تمنعوه من الخير ثم يتكرر نظرهم إليه لا عن قصد فيثير في القلب الفتنة إلى أن ينال الشيطان منهم قدر ما يمكنه . وربما وثقوا بدينهم فاستفزهم الشيطان فرماهم إلى أقصى المعاصي كما فعل ببرصيصا . ) تلبيس إبليس ص 309 .

ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( وما زال أئمة العلم والدين كشيوخ الهدى وشيخ الطريق يوصون بترك صحبة الأحداث ) الفتاوى الكبرى (1/289).

ـ وقال الحافظ ابن القيم - رحمه الله -: ( وفوائد غض البصر وآفات إرساله أضعاف أضعاف ما ذكرنا وإنما نبهنا عليه تنبيهاً ولا سيما النظر إلى من لم يجعل الله سبيلاً إلى قضاء الوطر منه شرعاً، كالمردان الحسان فإن إطلاق النظر إليهم السم الناقع والداء العضال ) . غض البصر ص 26 .

ـ وقال ابن حجر الهيتمي - رحمه الله - : ( وأقوال السلف في التنفير منهم ، والتحذير من رؤيتهم ومن الوقوع في فتنتهم ومخالطتهم أكثر من أن تحصر ،وكانوا رضوان الله عليهم يسمون المرد ( الأنتان والجيف ) لأن الشرع الشريف ، والدين الواضح المنيف استقذر النظر إليهم ومنع من مخالطتهم والخلوة بهم لأدائها إلى القبيح ) كتاب تحرير المقال ص 63 .







سبب نهي السلف عن ذلك :

ـ دخل رجل على سفيان الثوري ومعه أمرد حسن الوجه فقال له ( من هذا منك فقال ابن أخي، فقال أخرجوه عني ، فإني أرى مع كل امرأة شيطاناً، ومع كل أمرد سبعة عشر شيطاناً ) .

ـ دخل سفيان الثوري الحمام فدخل عليه غلام صبيح فقال : ( أخرجوه فإني أرى مع كل امرأة شيطانا ومع كل غلام بضعة عشر شيطانا ) شعب الإيمان (4/360) .

ـ وقال أبو العباس الأنصاري القرطبي- رحمه الله - : ( وكل ما تقرر في حق الأجنبية يجري مثله في حق الأمرد الحسن الصورة والوجه فإن سماعه والنظر إليه مظنة المفسدة ، بل الفتنة به أعظم والبلية أشد لأن الإنسان إذا ابتلى بامرأة فقد تكون له طريق يتوصل بها إليها وهو النكاح أو التسري بخلاف الأمرد فإنه لا طريق يتوصل إليها بها فيقع في الحرام الموجب للرجم بالحجارة في الدنيا والحشر مع قوم لوط في الآخرة ) كشف القناع عن حكم الوجد والسماع ص 218.

ـ وقال العز بن عبد السلام - رحمه الله - : ( ... والافتتان بالمرد أعظم من الافتتان بالنساء ؛ لأن المفتتن بالنساء يقدر على التوصل إليهن بسبب مباح ، وليس الافتتان بالمرد كذلك ) الفتاوى الموصلية ص 85 .

ـ وقال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله - : ( وفي المرد من يفوق النساء بحسنه فالفتنة به أعظم ولأنه يمكن في حقه من الشر ما لا يمكن في حق النساء ويسهل في حقه من طرق الريبة والشر ما لا يسهل في حق المرأة ) الزواجر ( 2 / 7 ) .



شبهات والرد عليها :
الشبهة الأولى : يقول بعض المخاذيل : نحن ننظر إلى الأمرد وذلك لا يؤثر فينا ، ولا يحرك شهوتنا نحو الحرام .

الرد عليها :
ـ قال سعيد بن المسيب - رحمه الله - : ( إذا رأيتم الرجل يحد النظر إلى الغلام الأمرد فاتهموه ) ذم الهوى ص92 .

ـ قال النجيب بن السري – رحمه الله - : ( كانوا يكرهون أن يحد النظر إلى الغلام الجميل الوجه ) ذم اللواط للهيثم بن خلف أثر رقم 77 .

ـ قال بقية – رحمه الله - : ( كانوا يكرهون أن يحد الرجل النظر إلى الغلام الجميل ) . شعب الإيمان (4/358) .

ـ وقال ابن الجوزي- رحمه الله - : ( قلت والفقهاء يقولون من ثارت شهوته عند النظر إلى الأمرد حرم عليه أن ينظر إليه ومتى ادعى الإنسان أنه لا تثور شهوته عند النظر إلى الأمرد المتسحسن فهو كاذب وإنما أبيح على الإطلاق لئلا يقع الحرج في كثرة المخالطة بالمنع فإذا وقع الإلحاح في النظر دل على العمل بمقتضى ثوران الهوى ) . تلبيس إبليس ص 302 .

ـ وقال أيضا : ( أنه إنما يباح النظر إلى الأمرد مع عدم الشهوة ، فإن عدمت لكنه يخاف أن تثور بالنظر ، فلأصحابنا فيه وجهان ، ومتى كان الطبع صحيحا فالشهوة قائمة والتحريم ملازم ، فمن ادعى أنه لا يشتهي ، فهو كذاب ، فلو قدرنا صدقه كان بهيمة لا آدميا ) ذم الهوى ص101 .

ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - : ( ومن يكرر النظر إلى الأمرد ونحوه أو أدامه وقال إني لا أنظر لشهوة ، كذب في ذلك فإنه إذا لم يكن معه داع يحتاج إلى النظر لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك ) الفتاوى الكبرى (1 / 289 ) ، ومجموع الفتاوى ( 15 / 419 ) .

ـ وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله - : ( وقد قال كثير من السلف : إنهم كانوا ينهون أن يحد الرجل بصره إلى الأمرد , وقد شدد كثير من أئمة الصوفية في ذلك وحرمه طائفة من أهل العلم , لما فيه من الافتتان , وشدد آخرون في ذلك كثيرا جدا ) التفسير :6/45 ط الشعب .


الشبهة الثانية : يقول بعض المنحرفين لا ننظر إلى المردان نظر شهوة بل نظر اعتبار وتأمل في عظم خلق الله .

الرد عليها :
ـ قال القرطبي - رحمه الله - : ( الرابعة ولا يكون النظر أيضا ولا الاعتبار في الوجوه الحسان من المرد والنسوان قال أبو الفرج الجوزي قال أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري بلغني عن هذه الطائفة التي تسمع السماع أنها تضيف إليه النظر إلى وجه الأمرد وربما زينته بالحلي والمصبغات من الثياب وتزعم أنها تقصد به الازدياد في والاعتبار والاستدلال بالصنعة على الصانع وهذه النهاية في متابعة الهوى ومخادعة العقل ومخالفة العلم قال أبو الفرج وقال الإمام أبو الوفاء بن عقيل لم يحل الله النظر إلا على صورة لا ميل للنفس إليها ولا حظ للهوى فيها بل عبرة لا يمازجها شهوة ولا يقارنها لذة ولذلك ما بعث الله سبحانه امرأة بالرسالة ولا جعلها قاضيا ولا إماما ولا مؤذنا كل ذلك لأنها محل شهوة وفتنة فمن قال أنا أجد من الصور المستحسنة عبرا كذبناه وكل من ميز نفسه بطبيعة تخرجه عن طباعنا كذبناه وإنما هذه خدع الشيطان للمدعين ) الجامع لأحكام القرآن : 7 / 211 .
ـ وقال ابن الجوزي – رحمه الله - : ( قوم يقولون نحن لا ننظر نظر شهوة وإنما ننظر نظر اعتبار فلا يضرنا النظر وهذا محال منهم فإن الطباع تتساوى فمن ادعى تنزه نفسه عن أبناء جنسه في الطبع ادعى المحال ) تلبيس إبليس ص 302.

ـ وقال شيخ الإسلام – رحمه الله : ( وقد يبتلى كثير منهم بالميل إلى الذكران ، كما هو المذكور عنهم ؛ فيبتلى بالميل إلى المردان ، وإن لم يفعل الفاحشة الكبرى ابتلى بما هو دون ذلك من المباشرة والمشاهدة ، ولا يكاد أن يسلم أحدهم من الفاحشة إما في سره وإما بينه و بين الأمرد ، و يحصل للنفس من ذلك ما هو معروف عند الناس . ) مجموع الفتاوى :14/462

ـ وقال أيضا – رحمه الله - : ( وقول القائل : إن النظر إلى وجه الأمرد عبادة ، كقوله : إن النظر إلى وجوه النساء الأجانب والنظر إلى محارم الرجل كبنت الرجل وأمه وأخته عبادة . ومعلوم أن من جعل هذا النظر المحرم عبادة فهو بمنزلة من جعل الفواحش عبادة . قال الله تعالى : ( وإذا فعلوا فاحشة قالوا : وجدنا عليها آباءنا ، والله أمرنا بها ، قل : إن الله لا يأمر بالفحشاء . أتقولون على الله ما لا تعلمون ؟ ). ومعلوم أنه قد يكون في صور النساء الأجنبيات وذوات المحارم من الاعتبار والدلالة على الخالق من جنس ما في صور المردان ، فهل يقول مسلم : أن للإنسان أن ينظر على هذا الوجه إلى صور النساء نساء العالمين وصور محارمه ،ويقول : أن ذلك عبادة ؛ بل من جعل مثل هذا النظر عبادة فإنه كافر مرتد ، يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل ... والخالق سبحانه يسبح عند رؤية مخلوقاته كلها ، وليس خلق الأمرد بأعجب في قدرته من خلق ذي اللحية ؛ ولا خلق النساء بأعجب في قدرته من خلق الرجال ؛ فتخصيص الإنسان بالتسبيح بحال نظره إلى الأمرد دون غيره كتخصيصه بالتسبيح بالنظر إلى المرأة دون الرجل ؛ وما ذاك لأنه أدل على عظمة الخالق عنده ؛ ولكن لأن الجمال يغير قلبه وعقله ، وقد يذهله ما رآه , فيكون تسبيحه لما حصل في نفسه من الهوى ) مجموع الفتاوى :15/413

ـ قال الواسطي – رحمه الله - : ( وكل من قال أنا آخذ من الصور المستحسنة عبرا كذبناه وكل من قال طبعه شيء يخرجه عن طبعنا كذبناه وإنما هو خداع الشيطان ) الحكم المضبوط في تحريم فعل قوم لوط ص 65 .


الشبهة الثالثة : يقول بعضهم أنه يعتبر في التفريق في الحكم بين صلاح الناظر وفساده أو بمعنى آخر أن النهي عن مخالطة المردان والنظر إليهم لا يشمل نظر الرجل الصالح إليهم .

الرد عليها من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : ما تقدم في رد الشبهة الثانية .
الوجه الثاني : عموم النهي في ذلك عن السلف .
الوجه الثالث : أن هذا التفريق غير معتبر عند العلماء .
ـ قال ابن الجوزي – رحمه الله - : ( ولقد رأيت من الذين ينتسبون إلى العلم من يستصحب المردان ، ويشتري المماليك ، وما كان يفعل هذا إلا من قد يئس من الآخرة . ورأيت من قد بلغ الثمانين من العلماء ، وهو على هذه الحالة ) . صيد الخاطر ص 368 .

ـ وقال شيخ الإسلام – رحمه الله - : (وقد روى عن المشائخ من التحذير عن صحبة الأحداث ما يطول وصفه . وليس لأحد من الناس أن يفعل ما يفضي إلى هذه المفاسد المحرمة ، وإن ضم إلى ذلك مصلحة من تعليم أو تأديب ؛ فإن المردان يمكن تعليمهم وتأديبهم بدون هذه المفاسد التي فيها مضرة عليهم ، وعلى من يصحبهم ، وعلى المسلمين : بسوء الظن تارة ، وبالشبهة أخرى ؛ بل روي : أن رجلا كان يجلس إليه المردان ، فنهى عمر رضي الله عنه عن مجالسته . ولقي عمر بن الخطاب شابا فقطع شعره ؛ لميل بعض النساء إليه ؛ مع ما في ذلك من إخراجه من وطنه والتفريق بينه وبين أهله ... فلو ذكرنا ما حصل في مثل هذا من الضرر والمفاسد ، وما ذكروه العلماء : لطال . سواء كان الرجل تقيا أو فاجرا ؛ فإن التقي يعالج مرارة في مجاهدة هواه وخلاف نفسه ؛ وكثيرا إما يغلبه شيطانه ونفسه ؛ بمنزلة من يحمل حملا لا يطيقه فيعذبه أو يقتله ؛ والفاجر يكمل فجوره بذلك . والله أعلم ) مجموع الفتاوى :32/ 248.

ـ وقال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله - : ( وفي المرد من يفوق النساء بحسنه فالفتنة به أعظم ولأنه يمكن في حقه من الشر ما لا يمكن في حق النساء ويسهل في حقه من طرق الريبة والشر ما لا يسهل في حق المرأة ... وسواء في كل ما ذكرناه نظر المنسوب إلى الصلاح وغيره . ) الزواجر ( 2 / 7 ) .


مسألة : متى يجوز النظر إلى الأمرد وممن ؟
ـ قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : ( فصار النظر إلى المردان ثلاثة أقسام : " أحدها " ما تقترن به الشهوة . فهو محرم بالاتفاق .
و" الثاني " ما يجزم أنه لا شهوة معه . كنظر الرجل الورع إلى ابنه الحسن ، وابنته الحسنة ، وأمه الحسنة ، فهذا لا يقترن به شهوة إلا أن يكون الرجل من أفجر الناس ، ومتى اقترنت به الشهوة حرم . وعلى هذا نظر من لا يميل قلبه إلى المردان كما كان الصحابة وكالأمم الذين لا يعرفون هذه الفاحشة ... لا يخطر بقلبه شيء من الشهوة ؛ لأنه لم يعتد ذلك ، وهو سليم القلب من قبل ذلك ، وقد كانت الإماء على عهد الصحابة يمشين في الطرقات مكشفات الرؤوس ويخدمن الرجال مع سلامه القلوب ، فلو أراد الرجل أن يترك الإماء التركيات الحسان يمشين بين الناس في مثل هذه البلاد والأوقات كما كان أولئك يمشين كان هذا من باب الفساد . وكذلك المردان الحسان . لا يصلح أن يخرجوا في الأمكنة والأزقة التي يخاف فيها الفتنة بهم إلا بقدر الحاجة .
وإنما وقع النزاع بين العلماء في " القسم الثالث " من النظر وهو النظر إليه بغير شهوة ؛ لكن مع خوف ثورانها ، ففيه وجهان في مذهب أحمد ، أصحهما وهو المحكي عن نص الشافعي وغيره أنه لا يجوز . والثاني يجوز ؛ لأن الأصل عدم ثورانها فلا يحرم بالشك بل قد يكره . والأول هو الراجح كما أن الراجح في مذهب الشافعي وأحمد أن النظر إلى وجه الأجنبية من غير حاجة لا يجوز , وإن كانت الشهوة منتفية ؛ لكن لأنه يخاف ثورانها ؛ ولهذا حرم الخلوة بالأجنبية ؛ لأنه مظنة الفتنة . والأصل أن كلما كان سببا للفتنة فإنه لا يجوز فإن الذريعة إلى الفساد سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة . ولهذا كان النظر الذي قد يفضي إلى الفتنة محرما ، إلا إذا كان لحاجة راجحة , مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما ، فإنه يباح النظر للحاجة مع عدم الشهوة . وأما النظر لغير حاجة إلى محل الفتنة فلا يجوز . ) مجموع الفتاوى ( 15 / 417 –419 )


مسألة : حكم نشر حكايات العشق واللواط ونحوها ؟
ـ قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : ( فإن النفوس إذا سمعت مثل هذا تحركت و تشهت و تمنت و تتيمت و الإنسان متى رأى أو سمع أو تخيل من يفعل ما يشتهيه كان ذلك داعيا له إلى الفعل و التشبه به و النساء متى رأين البهائم تنزوا الذكور منها على الإناث ملن إلى الباءة و المجامعة و الرجل إذا سمع من يفعل مع المردان و النساء و رأى ذلك أو تخيله في نفسه دعاه ذلك إلى الفعل و إذا ذكر للإنسان طعام اشتهاه و مال إليه و إن وصف ما يشتهيه من لباس أو امرأة أو مسكن أو غيره مالت نفسه إليه و الغريب عن وطنه متى ذكر بالوطن حن إليه و كل ما في نفس الإنسان محبته إذا تصوره تحركت ) مجموع الفتاوى :14/462


ماذا يجب على من ابتلى بذلك ؟
ـ قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : ( فإذا ابتلى المسلم ببعض ذلك كان عليه أن يجاهد نفسه في الله ، وهو مأمور بهذا الجهاد ليس أمرا أوجبه وحرمه هو على نفسه , فيكون في طاعة نفسه وهواه ؛ بل هو أمر حرمه الله ورسوله ولا حيلة فيه ؛ فيصير بالمجاهدة في طاعة الله ورسوله ) مجموع الفتاوى ( 14/462) .

ـ بل الإنسان على نفسه بصيرا :
ـ قال ابن الجوزي – رحمه الله - : ( وقد يقع للنفس تأويل في مصاحبة الحدث الذي قد بدت زغبات الشعر على وجهه ، فتقول النفس : هذا ليس بأمرد ، وإنما هو رجل ، فلا بأس بصحبته ، وإنما يقع لها هذا التأويل لما ينظره من هواه ، فيقال لها ك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ، إن كان لك ميل إليه ، وعندك التذاذ برؤيته ، فحكمه حكم الأمرد ، لأن المعنى في ذاك موجود في هذا ، ولو أن إنسانا التذ بالنظر إلى بنت شهرين لم يجز له النظر إليها ، أو إلى ابن خمسين سنة ، ... واعلم أن كثيرا من الصبيان تحسن وجوههم بخروج زغبات الشعر فيزيدون بذلك في الحسن على المردان ، وقد افتتن بهم جماعة ) ذم الهوى ص 102.

ـ وقال أيضا : ( فالله الله من يريد حفظ دينه ويوقن بالآخرة ، وإياك والتأويلات الفاسدة ، والأهواء الغالية ، فإنك إن ترخصت بالدخول في بعضها جرك الأمر إلى الباقي ، ولم تقدر على الخروج لموضع إلف الهوى .
فإقبل نصحي ، وقنع بالكسرة ، وابعد عن أرباب الدنيا ، فإذا ضج الهوى فدعه لهذا .
وربما قال لك : فالأمر الفلاني قريب ، فلا تفعل ، فإنه لو كان قريبا يدعو إلى غيره ويصعب التلاقي .
فالصبر الصبر على شظف العيش ، والبعد عن أرباب الهوى ، فما يتم دين إلا بذلك .
ومتى وقع الترخص حمل إلى غيره ، كالشاطئ إلى اللجة . وإنما هو طعام دون طعام ولباس دون لباس ، ووجه أصبح من وجه ، وإنما هي أيام يسيرة . ) صيد الخاطر ص 369 .

ـ وقال ابن قدامة – رحمه الله - : ( ولا ينبغي لأحد أن يغتر بنفسه ، أو يثق بما يظن في نفسه من صلابة دينه ، وقوة إيمانه ، فإن من خالف حدود الله تعالى ونظر إلى ما منعه الشرع من النظر إليه نزعت منه العصمة ، ووكل إلى نفسه ) ذم ما عليه مدعو التصوف ص 61 .

ـ وقال ابن حجر الهيثمي - رحمه الله - : ( وبهذا يتبين عظم خطر النظر وما وقع لبعض من لا أخلاق له ولا دين ولا مروءة ، من تساهله في النظر ، فهو دليل على شقاوته وجهالته وضلالته ، وأنه ممن أيس من فلاحه وصلاحه ونجاحه ولا يغرنك كونه متشبهاً بالصالحين فإنه في الباطن من أكابر الشياطين المردة الملاعين المتخذ آيات الله هزوءاً وغرته الحياة الدنيا وأموالها ، ولم ينزجر عما زجر الله عنه من المعاصي والقبائح وتبوا عواقبها وأحوالها ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنه أو يصيبهم عذاب أليم ) ) كتاب تحرير المقال ص 65.

الحاج الخديم البورقيقي
06-29-2010, 04:00 AM
كيفية التعامل مع المردان!




مسألة المردان من المسائل المهمة والمشكلة والتي وقع فيها إفراط وتفريط .

فمنهم من أفرط في معاملة المردان فقربهم وأدناهم –دون غيرهم- وأدمن المطالعة بهم حتى تخلل حبهم شغاف قلبه .

وقد جر هذا من الأمور الشنيعة المنكرة ما لا يعلم به إلا الله .

ومن قرأ "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" وهو ما يسمى بـ"الداء والدواء" لشيخ الإسلام محمد ابن القيم –رحمه الله- لعلم مدى إفراط من أفرط في هذا الباب.

وهذا الإفراط كان حال كثير من الصوفية ومن تأثر بهم كالإخوان المسلمين و"كثير" من أصحاب "السلفية العصرية" بل وبعض من ينتسب إلى السلفية!

ومنهم من فرط فأبعد المردان وترك تعليمهم وتأديبهم من شدة خوفه أن يتأثر ويفتن بهم .

وتعليم المردان وتأديبهم أمر مشروع وقد يكون واجباً حالهم حال غيرهم من المسلمين.



ولكن حسان الوجوه من المردان والذين يخشى بسببهم الفتنة فإنهم يعاملون معاملة خاصة تكون معاملتهم فيها اشتراك بين معاملة الرجال ومعاملة النساء.




# فيعاملون معاملة الرجال في اختلاطهم بهم ، وعدم تحجبهم ، ومصافحتهم ، وعدم اشتراط المحرم في سفرهم .

# ويعاملون معاملة المرأة الأجنبية من الخلوة ، والنظر إلى الوجه لغير حاجة ، والخضوع بالقول –إن كان جميل الصوت- ، ونحو ذلك مما قد يجلب الفتنة .

## هذا من ناحية الشاب الأمرد.

## أما من ناحية من يقوم بتعليمه وتربيته فهذا لابد من الانتباه لمن يعلمه ومن يصاحبه فإن كان المعلم صاحب ريبة ، وكذا إن كان له أصحاب هم أهل ريبة وجب إبعادهم عن الأمرد وإبعاد الأمرد عنهم.

فلو ضبطت مسألة المردان بالضوابط الشرعية لانتهت المفاسد المترتبة عن مخالطتهم ومجالستهم.

قال الإمام منصور البهوتي في كشاف القناع(2/154) : [ ولا بأس بمصافحة المردان لمن وثق من نفسه وقصد تعليمهم حسن الخلق ذكره في الفصول والرعاية لما فيه من المصلحة وانتفاء المفسدة].



وأنقل فتوى مطولة لشيخ الإسلام في هذا الموضوع فيها كفاية لمريد الهداية.




فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- عن أقوام يعاشرون "المردان" وقد يقع من أحدهم قبلة ومضاجعة للصبي ويدَّعون أنهم يصحبون لله ؛ ولا يعدون ذلك ذنباً ولا عاراً ؛ ويقولون: نحن نصحبهم بغير خنا ، ويعلم أبو الصبي بذلك وعمه وأخوه فلا ينكرون!!

فما حكم الله تعالى في هؤلاء ؟ وماذا ينبغي للمرء المسلم أن يعاملهم به والحالة هذه ؟

فأجاب –رحمه الله- : [الحمد لله . الصبي الأمرد المليح بمنزلة المرأة الأجنبية في كثير من الأمور ، ولا يجوز تقبيله على وجه اللذة ؛ بل لا يقبله إلا من يؤمن عليه : كالأب والأخوة .

ولا يجوز النظر إليه على هذا الوجه باتفاق الناس ؛ بل يحرم عند جمهورهم النظر إليه عند خوف ذلك ؛ وإنما ينظر إليه لحاجة بلا ريبة مثل معاملته ، والشهاد عليه ؛ ونحو ذلك كما ينظر إلى المرأة للحاجة.

وأما مضاجعته فهذا أفحش من أن يسأل عنه ؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مروهم بالصلاة لسبع ؛ واضربوهم عليها لعشر ؛ وفرقوا بينهم في المضاجع)) إذا بلغوا عشر سنين ولم يحتلموا بعد ، فكيف بما هو فوق ذلك ؟!

وإذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- قد قال: ((لا يخلوا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)) ، وقال: (( إياكم والدخول على النساء . قالوا : يا رسول الله! أفرأيت الحم؟ قال : ((الحم الموت))

فإذا كانت الخلوة محرمة لما يخاف منها فكيف بالمضاجعة؟!

وأما قول القائل: إنه يفعل ذلك لله! فهذا أكثره كذب ، وقد يكون لله مع هوى النفس ، كما يدعي من يدعي مثل ذلك في صحبة النساء الأجانب ؛ فيبقى كما قال تعالى في الخمر : {فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما}.

وقد روى الشعبي عن النبي –صلى الله عليه وسلم- : أن وفد عبد القيس لما قدموا على النبي –صلى الله عليه وسلم- وكان فيهم غلام ظاهر الوضاءة أجلسه خلف ظهره ؛ وقال : ((إنما كانت خطيئة داود عليه السلام النظر)). هذا وهو رسول الله وهو مزوج بتسع نسوة ، والوفد قوم صالحون ، ولم تكن الفاحشة معروفة في العرب !!

وقد روى عن المشايخ من التحذير عن صحبة الأحداث ما يطول وصفه .

وليس لأحد من الناس أن يفعل ما يفضي إلى هذه المفاسد المحرمة ، وإن ضم إلى ذلك مصلحة من تعليم أو تأديب ؛ فإن المردان يمكن تعليمهم وتأديبهم بدون هذه المفاسد التي فيها مضرة عليهم ، وعلي من يصحبهم ، وعلى المسلمين: بسوء الظن تارة ، وبالشبهة أخرى ؛ بل روى أن رجلا كان يجلس إليه المردان ، فنهى عمر -رضي الله عنه- عن مجالسته.

ولقي عمر بن الخطاب شاباً فقطع شعره لميل بعض النساء إليه ، مع ما في ذلك من إخراجه من وطنه ؛ والتفريق بينه وبين أهله .

ومن أقر صبيا يتولاه مثل: ابنه ، وأخيه ، أو مملوكه ، أو يتيم عند من يعاشره على هذا الوجه : فهو ديوث ملعون ، "ولا يدخل الجنة ديوث" فإن الفاحشة الباطنة ما يقوم عليها بينة في العادة ، وإنما تقوم على الظاهرة ، وهذه العشرة القبيحة من الظاهرة ، وقد قال الله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} وقال تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}

فلو ذكرنا ما حصل في مثل هذا من الضرر والمفاسد وما ذكروه العلماء لطال ، سواء كان الرجل تقيا أو فاجرا .

فإن التقي يعالج مرارة في مجاهدة هواه وخلاف نفسه ؛ وكثيراً ما يغلبه شيطانه ونفسه! بمنزلة من يحمل حملا لا يطيقه فيعذبه أو يقتله ؛ والفاجر يكمل فجوره بذلك والله أعلم]

انظر مجموع الفتاوى (32/247-249) .

وهذه فتوى كافية شافية .

## وفيما يخص النظر إلى المردان وأقسامه انظر مجموع الفتاوى(21/249-251) والوسيط للغزالي!(5/29-30)

## وللتحذير من مصاحبة المردان والنظر إليهم وسماع غنائهم انظر:

الفروع لابن مفلح(5/113) والإنصاف للمرداوي(8/32)

وإعانة الطالبين للدمياطي(3/263) ومغني المحتاج للشربيني(3/131) وفتاوى ابن الصلاح(2/499-451) ،

الثمر الداني شرح رسالة القيرواني للأبي الأزهري(ص/676)وغيرها من الكتب والرسائل.

والتساهل في أمر المردان عرف عن الصوفية ومن تأثر بهم!

فانتقلت إلى جماعة الإخوان المسلمين وتأثر به كثير منهم .

وانتقل هذا إلى من تأثر بهم ككثير من أصحاب "السلفية العصرية" حيث انتقلت إليهم العدوى من الإخوان المسلمين.

لا سيما وأن كثيراً ممن ينتمون إلى "السلفية العصرية" يستجلبون المردان الأغرار الذين يسهل التلبيس عليهم ، وإقناعهم بطريقتهم .

وكذلك يتساهل أصحاب "السلفية العصرية" بالأناشيد والتي ينشد أكثرها مردان يظهر في نشيدهم الغنج والتكسر مما يثير الشهوة .

وأنت أخي القارئ تلاحظ أن التسجيلات الإسلامية التي يقوم عليها أصحاب "السلفية العصرية" مشبعة بالأناشيد ولها سوق رائج بين المردان والأحداث والفتيات!

وكذلك لا تكاد تخلو رحلاتهم واحتفالاتهم من هذه الأناشيد التي هي من دين الصوفية ونحلتهم وطريقتهم البدعية.

فاختلاط أصحاب"السلفية العصرية" بالمردان دون معرفة الضوابط الشرعية وتطبيقها ، إضافة إلى سماع الأناشيد المطربة سيؤدي حتماً إلى ظهور الفاحشة وانتشارها .

وإني في هذا المقام أنصح إخواني المسلمين ممن يرجون الله والدار الآخرة ، ويتقون الله حق تقاته ، وعندهم ورع وخوف من الله : أن يبتعدوا عن تلك الأناشيد المطربة والمثيرة للشهوة ، بل ويقطعوا دابر الأناشيد ، وأن يشغلوا أوقاتهم بذكر الله وقراءة القرآن وسماع المواعظ والدروس النافعة ، وأن يحتاطوا لدينهم في معاملة المردان وحسان الوجوه ، وأن يحذروا من كيد الشيطان ومكره .

أبو أحمد علي بن أحمد السيد
07-05-2010, 03:19 PM
أحسن الله اليك اخي الفاضل
نرجوا إثراء هذا الموضوع

آمين
وأحسن إليك

وجزى الله خيرا أخواي لخضر السبداوي و الحاج البورقيقي
على الإضافات الطيبة

رواحة بن أبي رواحة
07-05-2010, 09:34 PM
مشكور أخي الحبيب على هذه الفائدة الطيبة
وأسأل الله أن يجنبنا مجالسة المردان
وبارك الله في إخواني الأعضاء
على جهودهم القيمة في هذا المنتدى المبارك

أبو أحمد علي بن أحمد السيد
07-05-2010, 09:40 PM
وأنت جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي رواحة
ونسأل من الله أن يتقبل دعاءك

افتقدناك كثيرا أخي الحبيب

أبو أحمد علي بن أحمد السيد
07-08-2010, 11:22 PM
1- قال ابن تيمية - رحمه الله -: ((وَأَمَّا مَنْ نَظَرَ إلَى المردان ظَانًّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مَظَاهِرِ الْجَمَالِ الْإِلَهِيِّ وَجَعَلَ هَذَا طَرِيقًا لَهُ إلَى اللَّهِ كَمَا يَفْعَلُهُ طَوَائِفُ مِنْ الْمُدَّعِينَ لِلْمَعْرِفَةِ فَقَوْلُهُ هَذَا أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ قَوْلِ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ وَمِنْ كُفْرِ قَوْمِ لُوطٍ . فَهَؤُلَاءِ مِنْ شَرِّ الزَّنَادِقَةِ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ يَجِبُ قَتْلُهُمْ بِإِجْمَاعِ كُلِّ أُمَّةٍ)).


2- وقال أيضا : ((أَمَّا صُحْبَةُ المردان عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَاصِ بِأَحَدِهِمْ مَعَ مَا يَنْضَمُّ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَمْرَدِ الْحَسَنِ وَمَبِيتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَهَذَا مِنْ أَفْحَشِ الْمُنْكَرَاتِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَعِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ... وَكَذَلِكَ مُقَدِّمَاتُ الْفَاحِشَةِ عِنْدَ التَّلَذُّذِ بِقُبْلَةِ الْأَمْرَدِ وَلَمْسِهِ وَالنَّظَرِ إلَيْهِ هُوَ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ)).


3- وقال أيضا : ((وَكَذَلِكَ المردان الْحِسَانُ . لَا يَصْلُحُ أَنْ يَخْرُجُوا فِي الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزِقَّةِ الَّتِي يُخَافُ فِيهَا الْفِتْنَةُ بِهِمْ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَلَا يُمَكَّنُ الْأَمْرَدُ الْحَسَنُ مِنْ التَّبَرُّجِ وَلَا مِنْ الْجُلُوسِ فِي الْحَمَّامِ بَيْنَ الْأَجَانِبِ ؛ وَلَا مِنْ رَقْصِهِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ فِتْنَةٌ لِلنَّاسِ وَالنَّظَرُ إلَيْهِ كَذَلِكَ)).


4- وقال أيضاً : ((الصَّبِيُّ الْأَمْرَدُ الْمَلِيحُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ وَلَا يَجُوزُ تَقْبِيلُهُ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ ؛ بَلْ لَا يُقَبِّلُهُ إلَّا مَنْ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ : كَالْأَبِ ؛ وَالْإِخْوَةِ . وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ ؛ بَلْ يَحْرُمُ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ النَّظَرُ إلَيْهِ عِنْدَ خَوْفِ ذَلِكَ ؛ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَيْهِ لِحَاجَةِ بِلَا رِيبَةٍ مِثْلَ مُعَامَلَتِهِ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا يُنْظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ لِلْحَاجَةِ)).


5- وقال أيضا : (( وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ مُسْنَدَةٌ ضَعِيفَةٌ وَحَدِيثٌ مُرْسَلٌ أَجْوَدُ مِنْهَا وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ . ثِنَا عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُقْرِي . ثِنَا أَحْمَد بْنُ حَمَّادٍ المصيصي ثِنَا عَبَّاسُ بْنُ مُجَوِّزٍ ثِنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ :{ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِمْ غُلَامٌ أَمْرَدُ ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ فَأَجْلَسَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَقَالَ كَانَتْ خَطِيئَةُ داود فِي النَّظَرِ }هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ . وَأَمَّا الْمُسْنَدَةُ فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ{ مَنْ نَظَرَ إلَى غُلَامٍ أَمْرَدَ بِرِيبَةِ حَبَسَهُ اللَّهُ فِي النَّارِ أَرْبَعِينَ عَامًا }وَرَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :{ لَا تُجَالِسُوا أَبْنَاءَ الْمُلُوكِ ؛ فَإِنَّ الْأَنْفُسَ تَشْتَاقُ إلَيْهِمْ مَا لَا تَشْتَاقُ إلَى الْجَوَارِي الْعَوَاتِقِ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ )).



المرجع :


جميع هذه الأقوال من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية



يتبع بفتوى لشيخ الإسلام في المسألة إن شاء الله

أبو أحمد علي بن أحمد السيد
08-20-2010, 01:04 AM
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ :إذَا مَسَّ يَدَ الصَّبِيِّ الْأَمْرَدِ : فَهَلْ هُوَ مَنْ جِنْسِ النِّسَاءِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ ؟ وَمَا جَاءَ فِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ ؟ وَهَلْ هَذَا الَّذِي يَقُولُهُ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ لِلشَّرِيعَةِ : إنَّ النَّظَرَ إلَى وَجْهِ الصَّبِيِّ الْأَمْرَدِ عِبَادَةٌ وَإِذَا قَالَ لَهُمْ : أَحَدٌ هَذَا النَّظَرُ حَرَامٌ يَقُولُ : أَنَا إذَا نَظَرْت إلَى هَذَا أَقُولُ : سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَهُ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ ؟.

الْجَوَابُ :

الْحَمْدُ لِلَّهِ . إذَا مَسَّ الْأَمْرَدَ لِشَهْوَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ.
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ كَمَسِّ النِّسَاءِ لِشَهْوَةِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ , وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ.
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ , وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ يُفْسِدُ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَفْسُدُ بِالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ : كَالصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَيُوجِبُ الْغُسْلَ كَمَا يُوجِبُهُ هَذَا فَتَكُونُ مُقَدِّمَاتُ هَذَا فِي بَاب الْعِبَادَاتِ كَمُقَدِّمَاتِ هَذَا.
فَلَوْ مَسَّ الْأَمْرَدَ لِشَهْوَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا لَوْ مَسَّ أَجْنَبِيَّةً لِشَهْوَةِ.
وَكَذَلِكَ إذَا مَسَّهُ لِشَهْوَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ مَسَّ الْمَرْأَةَ لِشَهْوَةِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ.

وَاَلَّذِي لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ بِمَسِّهِ يَقُولُ : إنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ مَحَلًّا لِذَلِكَ فَيُقَالُ لَهُ : لَا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ لِذَلِكَ وَأَنَّ الْفَاحِشَةَ اللُّوطِيَّةَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ لَكِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي بَابِ الْوَطْءِ ؛ فَإِنْ وَطِئَ فِي الدُّبُرِ تَعَلَّقَ بِهِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ الدُّبُرُ لَمْ يُخْلَقْ مَحَلًّا لِلْوَطْءِ مَعَ أَنَّ نُفْرَةَ الطِّبَاعِ عَنْ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ أَعْظَمُ مَنْ نُفْرَتِهَا عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَنَقْضُ الْوُضُوءِ بِالْمَسِّ يُرَاعَى فِيهِ حَقِيقَةُ الْحِكْمَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَسُّ لِشَهْوَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ : كَمَالِكِ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا كَمَا يُرَاعَى مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَحَيْثُ وُجِدَ اللَّمْسُ لِشَهْوَةِ تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ حَتَّى لَوْ مَسَّ أُمَّهُ وَأُخْتَه وَبِنْتَه لِشَهْوَةِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ : فَكَذَلِكَ الْأَمْرَدُ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ فَيَعْتَبِرُ الْمَظِنَّةَ وَهُوَ : أَنَّ النِّسَاءَ مَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ سَوَاءٌ بِشَهْوَةِ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلِهَذَا لَا يَنْقُضُ لَمْسُ الْمَحَارِمِ لَكِنْ لَوْ لَمَسَ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ لِشَهْوَةِ فَقَدْ وُجِدَتْ حَقِيقَةُ الْحِكْمَةِ ؛ وَكَذَلِكَ إذَا مَسَّ الْأَمْرَدَ لِشَهْوَةِ.

وَالتَّلَذُّذُ بِمَسِّ الْأَمْرَدِ كَمُصَافَحَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِمَسِّ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بَلْ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ التَّلَذُّذِ بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ كَمَا أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ عُقُوبَةَ اللُّوطِيِّ أَعْظَمُ مِنْ عُقُوبَةِ الزِّنَا بِالْأَجْنَبِيَّةِ فَيَجِبُ قَتْلُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَسَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا لِلْآخَرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ وَعَمِلَ بِهِ أَصْحَابُهُ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ يُعْرَفُ بَيْنَهُمْ وَقَتْلُهُ بِالرَّجْمِ كَمَا قَتَلَ اللَّهُ قَوْمَ لُوطٍ بِالرَّجْمِ وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ فِي قَتْلِ الزَّانِي : أَنَّهُ يُرْجَمُ فَرَجَمَ النَّبِيُّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ والغامدية واليهوديين ؛ وَالْمَرْأَةَ الَّتِي أَرْسَلَ إلَيْهَا أنيسا وَقَالَ :{ اذْهَبْ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا } فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا.

وَالنَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ لِشَهْوَةِ كَالنَّظَرِ إلَى وَجْهِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِالشَّهْوَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الشَّهْوَةُ شَهْوَةَ الْوَطْءِ أَوْ شَهْوَةَ التَّلَذُّذِ بِالنَّظَرِ فَلَوْ نَظَرَ إلَى أُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَابْنَتِهِ يَتَلَذَّذُ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا كَمَا يَتَلَذَّذُ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ : كَانَ مَعْلُومًا لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ هَذَا حَرَامٌ فَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ.

وَقَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّ النَّظَرَ إلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ عِبَادَةٌ. كَقَوْلِهِ : إنَّ النَّظَرَ إلَى وُجُوهِ النِّسَاءِ أَوْ النَّظَرِ إلَى وُجُوهِ مَحَارِمِ الرَّجُلِ - كَبِنْتِ الرَّجُلِ وَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ - عِبَادَةٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ جَعَلَ هَذَا النَّظَرَ الْمُحَرَّمَ عِبَادَةً كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَعَلَ الْفَوَاحِشَ عِبَادَةً قَالَ تَعَالَى :{ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي صُوَرِ النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنْ الِاعْتِبَارِ وَالدِّلَالَةِ عَلَى الْخَالِقِ مَنْ جِنْسِ مَا فِي صُورَةِ الْمُرْدِ : فَهَلْ يَقُولُ مُسْلِمٌ : إنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنْظُرَ بِهَذَا الْوَجْهِ إلَى صُوَرِ نِسَاءِ الْعَالَمِ وَصُوَرِ مَحَارِمِهِ وَيَقُولُ : إنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ ؟ بَلْ مَنْ جَعَلَ مِثْلَ هَذَا النَّظَرَ عِبَادَةً فَإِنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ ؛ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَعَلَ إعَانَةَ طَالِبِ الْفَوَاحِشِ عِبَادَةً ؛ أَوْ جَعَلَ تَنَاوُلَ يَسِيرِ الْخَمْرِ عِبَادَةً ؛ أَوْ جَعَلَ السُّكْرَ بِالْحَشِيشَةِ عِبَادَةً . فَمَنْ جَعَلَ الْمُعَاوَنَةَ عَلَى الْفَاحِشَةِ بِقِيَادَةِ أَوْ غَيْرِهَا عِبَادَةً أَوْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي يَعْلَمُ تَحْرِيمَهَا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ عِبَادَةً : فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ ؛ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَهُوَ مُضَاهٍ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ :{ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } وَفَاحِشَةُ أُولَئِكَ إنَّمَا كَانَتْ طَوَافَهُمْ بِالْبَيْتِ عُرَاةً وَكَانُوا يَقُولُونَ : لَا نَطُوفُ فِي الثِّيَابِ الَّتِي عَصَيْنَا اللَّهَ فِيهَا فَهَؤُلَاءِ إنَّمَا كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً عَلَى وَجْهِ اجْتِنَابِ ثِيَابِ الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُمْ مَا ذُكِرَ فَكَيْفَ بِمَنْ يَجْعَلُ جِنْسَ الْفَاحِشَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالشَّهْوَةِ عِبَادَةً ؟ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَمَرَ فِي كِتَابِهِ بِغَضِّ الْبَصَرِ.

وَهُوَ نَوْعَانِ : غَضُّ الْبَصَرِ عَنْ الْعَوْرَةِ وَغَضُّهَا عَنْ مَحَلِّ الشَّهْوَةِ.
فَالْأَوَّلُ : كَغَضِّ الرَّجُلِ بَصَرَهُ عَنْ عَوْرَةِ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ :{ لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ } وَيَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ لمعاوية بْنِ حَيْدَةَ :{ احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك}قُلْت : فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا مَعَ قَوْمِهِ ؟ قَالَ :{ إنْ اسْتَطَعْت أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا }قُلْت : فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا ؟ قَالَ :{ فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ }.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكْشِفَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ كَمَا يَكْشِفُ عِنْدَ التَّخَلِّي وَكَذَلِكَ إذَا اغْتَسَلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ بِجَنْبِ مَا يَسْتُرُهُ فَلَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ عريانا كَمَا اغْتَسَلَ مُوسَى عريانا وَأَيُّوبُ وَكَمَا فِي اغْتِسَالِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ وَاغْتِسَالِهِ فِي حَدِيث مَيْمُونَةَ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ النَّظَرِ : كَالنَّظَرِ إلَى الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَهَذَا أَشَدُّ مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا أَنَّ الْخَمْرَ أَشَدُّ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَعَلَى صَاحِبِهَا الْحَدُّ.

وَتِلْكَ الْمُحَرَّمَاتُ إذَا تَنَاوَلَهَا غَيْرُ مُسْتَحِلٍّ لَهَا كَانَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ لَا تَشْتَهِيهَا النُّفُوسُ كَمَا تَشْتَهِي الْخَمْرَ وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ لَا يُشْتَهَى كَمَا يُشْتَهَى النَّظَرُ إلَى النِّسَاءِ وَنَحْوِهِنَّ ؛ وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى الْأَمْرَدِ بِشَهْوَةِ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ لِشَهْوَةِ وَالْخَالِقُ سُبْحَانَهُ يُسَبَّحُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَخْلُوقَاتِهِ كُلِّهَا وَلَيْسَ خَلْقُ الْأَمْرَدِ بِأَعْجَبَ فِي قُدْرَتِهِ مَنْ خَلْقِ ذِي اللِّحْيَةِ وَلَا خَلْقُ النِّسَاءِ بِأَعْجَبَ فِي قُدْرَتِهِ مَنْ خَلْقِ الرِّجَالِ ؛ بَلْ تَخْصِيصُ الْإِنْسَانِ التَّسْبِيحَ بِحَالِ نَظَرِهِ إلَى الْأَمْرَدِ دُونَ غَيْرِهِ : كَتَخْصِيصِهِ التَّسْبِيحَ بِنَظَرِهِ إلَى الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ وَمَا ذَاكَ لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى عَظَمَةِ الْخَالِقِ عِنْدَهُ وَلَكِنْ لِأَنَّ الْجَمَالَ يُغَيِّرُ قَلْبَهُ وَعَقْلَهُ وَقَدْ يُذْهِلُهُ مَا رَآهُ فَيَكُونُ تَسْبِيحُهُ بِمَا يَحْصُلُ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْهَوَى.

كَمَا أَنَّ النِّسْوَةَ لَمَّا رَأَيْنَ يُوسُفَ { أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إنْ هَذَا إلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ :{ إنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ }وَإِذَا كَانَ اللَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَى الصُّوَرِ وَالْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى الْقُلُوبِ وَالْأَعْمَالِ : فَكَيْفَ يُفَضَّلُ الشَّخْصُ بِمَا لَمْ يُفَضِّلْهُ اللَّهُ بِهِ ؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :{ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }وَقَالَ فِي الْمُنَافِقِينَ :{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ تُعْجِبُ النَّاظِرَ أَجْسَامُهُمْ لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْبَهَاءِ وَالرِّوَاءِ وَالزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ - وَلَيْسُوا مِمَّنْ يُنْظَرُ إلَيْهِ لِشَهْوَةِ - قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا ذَكَرَ : فَكَيْفَ بِمَنْ يُنْظَرُ إلَيْهِ لِشَهْوَةِ ؟ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُنْظَرُ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى ؛ وَهُنَا الِاعْتِبَارُ بِقَلْبِهِ وَعَمَلِهِ لَا بِصُورَتِهِ وَقَدْ يُنْظَرُ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الصُّورَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُصَوِّرِ فَهَذَا حَسَنٌ . وَقَدْ يُنْظَرُ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ اسْتِحْسَانِ خَلْقِهِ كَمَا يُنْظَرُ إلَى الْجَبَلِ وَالْبَهَائِمِ وَكَمَا يُنْظَرُ إلَى الْأَشْجَارِ : فَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ اسْتِحْسَانِ الدُّنْيَا وَالرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ فَهُوَ مَذْمُومٌ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :{ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُنْقِصُ الدِّينَ وَإِنَّمَا فِيهِ رَاحَةُ النَّفْسِ فَقَطْ - كَالنَّظَرِ إلَى الْأَزْهَارِ - فَهَذَا مِنْ الْبَاطِلِ الَّذِي يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الْحَقِّ.

وَكُلُّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَتَى كَانَ مَعَهُ شَهْوَةٌ كَانَ حَرَامًا بِلَا رَيْبٍ سَوَاءٌ كَانَتْ شَهْوَةَ تَمَتُّعٍ بِنَظَرِ الشَّهْوَةِ أَوْ كَانَ نَظَرًا بِشَهْوَةِ الْوَطْءِ وَفَرْقٌ بَيْنَ مَا يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ عِنْدَ نَظَرِهِ الْأَشْجَارَ وَالْأَزْهَارَ وَمَا يَجِدُهُ عِنْدَ نَظَرِهِ النسوان والمردان ؛ فَلِهَذَا الْفَرْقَانِ افْتَرَقَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فَصَارَ النَّظَرُ إلَى الْمُرْدِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ :
أَحَدُهَا : مَا يُقْرَنُ بِهِ الشَّهْوَةُ فَهُوَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ.
وَالثَّانِي : مَا يُجْزَمُ أَنَّهُ لَا شَهْوَةَ مَعَهُ : كَنَظَرِ الرَّجُلِ الْوَرِعِ إلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ وَابْنَتِهِ الْحَسَنَةِ وَأُمِّهِ ؛ فَهَذَا لَا يُقْرَنُ بِهِ شَهْوَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَنْ أَفْجَرِ النَّاسِ وَمَتَى اقْتَرَنَتْ بِهِ الشَّهْوَةُ حَرُمَ . وَعَلَى هَذَا مَنْ لَا يَمِيلُ قَلْبُهُ إلَى الْمُرْدِ - كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ ؛ وَكَالْأُمَمِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ هَذِهِ الْفَاحِشَةَ ؛ فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا الْوَجْهِ وَبَيْنَ نَظَرِهِ إلَى ابْنِهِ وَابْنِ جَارِهِ وَصَبِيٍّ أَجْنَبِيٍّ وَلَا يَخْطُرُ بِقَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْ الشَّهْوَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدْ ذَلِكَ وَهُوَ سَلِيمُ الْقَلْبِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَتْ الْإِمَاءُ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ يَمْشِينَ فِي الطُّرُقَاتِ وَهُنَّ مُتَكَشِّفَاتِ الرُّءُوسِ وَتَخْدِمُ الرِّجَالَ مَعَ سَلَامَةِ الْقُلُوبِ فَلَوْ أَرَادَ الرِّجَالُ أَنْ يَتْرُكَ الْإِمَاءَ التُّرْكِيَّاتِ الْحِسَانَ يَمْشِينَ بَيْنَ النَّاسِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ وَالْأَوْقَاتِ كَمَا كَانَ أُولَئِكَ الْإِمَاءُ يَمْشِينَ : كَانَ هَذَا مِنْ بَابِ الْفَسَادِ.
وَكَذَلِكَ الْمُرْدُ الْحِسَانُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَخْرُجُوا فِي الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ الَّتِي يُخَافُ فِيهَا الْفِتْنَةُ بِهِمْ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَلَا يُمَكَّنُ الْأَمْرَدُ الْحَسَنُ مِنْ التَّبَرُّجِ وَلَا مِنْ الْجُلُوسِ فِي الْحَمَّامِ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَلَا مِنْ رَقْصِهِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ فِتْنَةٌ لِلنَّاسِ وَالنَّظَرُ إلَيْهِ : كَذَلِكَ.
وَإِنَّمَا وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ النَّظَرِ وَهُوَ : النَّظَرُ إلَيْهِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَكِنْ مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِهَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد : أَصَحُّهُمَا - وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
وَالثَّانِي : يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ثَوَرَانِهَا فَلَا يَحْرُمُ بِالشَّكِّ بَلْ قَدْ يُكْرَهُ.
وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا أَنَّ الرَّاجِحَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد أَنَّ النَّظَرَ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مُنْتَفِيَةً لَكِنْ لِأَنَّهُ يَخَافُ ثَوَرَانَهَا ؛ وَلِهَذَا حَرُمَتْ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِلْفِتْنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ فَإِنَّ الذَّرِيعَةَ إلَى الْفَسَادِ يَجِبُ سَدُّهَا إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ ؛ وَلِهَذَا كَانَ النَّظَرُ الَّذِي يُفْضِي إلَى الْفِتْنَةِ مُحَرَّمًا إلَّا إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةِ رَاجِحَةٍ مِثْلَ نَظَرِ الْخَاطِبِ وَالطَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ لِلْحَاجَةِ لَكِنْ مَعَ عَدَمِ الشَّهْوَةِ.
وَأَمَّا النَّظَرُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إلَى مَحَلِّ الْفِتْنَةِ فَلَا يَجُوزُ.

وَمَنْ كَرَّرَ النَّظَرَ إلَى الْأَمْرَدِ وَنَحْوِهِ أَوْ أَدَامَهُ وَقَالَ : إنِّي لَا أَنْظُرُ لِشَهْوَةِ : كَذَبَ فِي ذَلِكَ ؛ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ دَاعٍ يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى النَّظَرِ لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ إلَّا لِمَا يَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ مِنْ اللَّذَّةِ بِذَلِكَ وَأَمَّا نَظْرَةُ الْفَجْأَةِ فَهِيَ عَفْوٌ إذَا صَرَفَ بَصَرَهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ : سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَقَالَ :{ اصْرِفْ بَصَرَك } وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيِّ :{ يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا لَك الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَك الثَّانِيَةُ } . وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الْمَسْنَدِ وَغَيْرِهِ : { النَّظَرُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ } وَفِيهِ : { مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ ثُمَّ غَضَّ بَصَرَهُ عَنْهَا أَوْرَثَ اللَّهُ قَلْبَهُ حَلَاوَةَ عِبَادَةٍ يَجِدُهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } - أَوْ كَمَا قَالَ - وَلِهَذَا يُقَالُ :إنَّ غَضَّ الْبَصَرِ عَنْ الصُّورَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا - كَالْمَرْأَةِ وَالْأَمْرَدِ الْحَسَنِ - يُورِثُ ذَلِكَ ثَلَاثَ فَوَائِدَ جَلِيلَةَ الْقَدْرِ :
إحْدَاهَا : حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ وَلَذَّتُهُ الَّتِي هِيَ أَحْلَى وَأَطْيَبُ مَا تَرَكَهُ لِلَّهِ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ وَالنَّفْسُ تُحِبُّ النَّظَرَ إلَى هَذِهِ الصُّوَرِ لَا سِيَّمَا نُفُوسُ أَهْلِ الرِّيَاضَةِ وَالصَّفَا فَإِنَّهُ يَبْقَى فِيهَا رِقَّةٌ تُجْتَذَبُ بِسَبَبِهَا إلَى الصُّوَرِ حَتَّى تَبْقَى تَجْذِبُ أَحَدَهُمْ وَتَصْرَعُهُ كَمَا يَصْرَعُهُ السَّبُعُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ :(( مَا أَنَا عَلَى الشَّابِّ التَّائِبِ مِنْ سَبُعٍ يَجْلِسُ إلَيْهِ بِأَخْوَفَ عَلَيْهِ مِنْ حَدَثٍ جَمِيلٍ يَجْلِسُ إلَيْهِ ))وَقَالَ بَعْضُهُمْ :(( اتَّقُوا النَّظَرَ إلَى أَوْلَادِ الْمُلُوكِ فَإِنَّ لَهُمْ فِتْنَةً كَفِتْنَةِ الْعَذَارَى )) وَمَا زَالَ أَئِمَّةُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ - كَشُيُوخِ الْهُدَى وَشُيُوخِ الطَّرِيقِ - يُوصُونَ بِتَرْكِ صُحْبَةِ الْأَحْدَاثِ حَتَّى يُرْوَى عَنْ فَتْحٍ الموصلي أَنَّهُ قَالَ :(( صَحِبْت ثَلَاثِينَ مِنْ الْأَبْدَالِ كُلُّهُمْ يُوصِينِي عِنْدَ فِرَاقِهِ بِتَرْكِ صُحْبَةِ الْأَحْدَاثِ )) وَقَالَ بَعْضُهُمْ : (( مَا سَقَطَ عَبْدٌ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ إلَّا بِصُحْبَةِ هَؤُلَاءِ الْأَنَّتَانِ )).
ثُمَّ النَّظَرُ يُؤَكِّدُ الْمَحَبَّةَ فَيَكُونُ عِلَاقَةً لِتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِالْمَحْبُوبِ ؛ ثُمَّ صَبَابَةً لِانْصِبَابِ الْقَلْبِ إلَيْهِ ؛ ثُمَّ غَرَامًا لِلُزُومِهِ لِلْقَلْبِ كَالْغَرِيمِ الْمُلَازِمِ لِغَرِيمِهِ ؛ ثُمَّ عِشْقًا إلَى أَنْ يَصِيرَ تَتَيّما وَالْمُتَيَّمُ الْمُعَبَّدُ وَتَيَّمَ اللَّهُ عَبْدَ اللَّهِ فَيَبْقَى الْقَلْبُ عَبْدًا لِمَنْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَخًا بَلْ وَلَا خَادِمًا وَهَذَا إنَّمَا يُبْتَلَى بِهِ أَهْلُ الْأَعْرَاضِ عَنْ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ يُوسُفَ :{ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } فَامْرَأَةُ الْعَزِيزِ كَانَتْ مُشْرِكَةً فَوَقَعَتْ مَعَ تَزَوُّجِهَا فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ مِنْ السُّوءِ وَيُوسُفُ مَعَ عُزُوبَتِهِ وَمُرَاوَدَتِهَا لَهُ وَاسْتِعَانَتِهَا عَلَيْهِ بِالنِّسْوَةِ وَعُقُوبَتِهَا لَهُ بِالْحَبْسِ عَلَى الْعِفَّةِ : عَصَمَهُ اللَّهُ بِإِخْلَاصِهِ لِلَّهِ ؛ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ :{ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }{ إلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }قَالَ تَعَالَى :{ إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } وَالْغَيُّ هُوَ اتِّبَاعُ الْهَوَى.
وَهَذَا الْبَابُ مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ اتِّبَاعِ الْهَوَى , وَمَنْ أَمَرَ بِعِشْقِ الصُّوَرِ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ كَابْنِ سِينَا وَذَوِيهِ أَوْ مِنْ الْفُرْسِ كَمَا يُذْكَرُ عَنْ بَعْضِهِمْ ؛ أَوْ مِنْ جُهَّالِ الْمُتَصَوِّفَةِ : فَإِنَّهُمْ أَهْلُ ضَلَالٍ وَغَيٍّ فَهُمْ مَعَ مُشَارَكَةِ الْيَهُودِ فِي الْغَيِّ وَالنَّصَارَى فِي الضَّلَالِ زَادُوا عَلَى الْأُمَّتَيْنِ فِي ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ ظُنَّ أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْعَاشِقِ كَتَطْلِيقِ نَفْسِهِ وَتَهْذِيبِ أَخْلَاقِهِ وَلِلْمَعْشُوقِ مِنْ الشِّفَاءِ فِي مَصَالِحِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَتَأْدِيبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ : فَمَضَرَّةُ ذَلِكَ أَضْعَافُ مَنْفَعَتِهِ.
وَأَيْنَ إثْمُ ذَلِكَ مِنْ مَنْفَعَتِهِ ؟ وَإِنَّمَا هَذَا كَمَا يُقَالُ : إنَّ فِي الزِّنَا مَنْفَعَةً لِكُلِّ مِنْهُمَا بِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ التَّلَذُّذِ وَالسُّرُورِ وَيَحْصُلُ لَهَا مِنْ الْجُعْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَمَا يُقَالُ : إنَّ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ مَنَافِعُ بَدَنِيَّةٌ وَنَفْسِيَّةٌ . وَقَدْ قَالَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ : { قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } وَهَذَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ دَعْ مَا قَالَهُ عِنْدَ التَّحْرِيمِ وَبَعْدَهُ .
وَبَابُ التَّعَلُّقِ بِالصُّوَرِ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْفَوَاحِشِ وَبَاطِنُهُ مِنْ بَاطِنِ الْفَوَاحِشِ وَهُوَ مِنْ بَاطِنِ الْإِثْمِ قَالَ تَعَالَى :{ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ }وَقَالَ تَعَالَى :{ قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ }وَقَدْ قَالَ :{ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } . وَلَيْسَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الدِّينِ نِزَاعٌ فِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُسْتَحَبِّ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبِ فَمَنْ جَعَلَهُ مَمْدُوحًا وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ؛ بَلْ وَعَمَّا عَلَيْهِ عُقَلَاءُ بَنِي آدَمَ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ وَهُوَ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى }{ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }وَقَالَ تَعَالَى{ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } .
وَأَمَّا مَنْ نَظَرَ إلَى الْمُرْدِ ظَانًّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْجَمَالِ الْإِلَهِيِّ وَجَعَلَ هَذَا طَرِيقًا لَهُ إلَى اللَّهِ - كَمَا يَفْعَلُهُ طَوَائِفُ مِنْ الْمُدَّعِينَ لِلْمَعْرِفَةِ - فَقَوْلُهُ هَذَا أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ قَوْلِ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ وَمِنْ كُفْرِ قَوْمِ لُوطٍ فَهَؤُلَاءِ مِنْ شَرِّ الزَّنَادِقَةِ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ يَجِبُ قَتْلُهُمْ بِإِجْمَاعِ كُلِّ الْأُمَّةِ ؛ فَإِنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ قَالُوا :{ مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } وَهَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ اللَّهَ مَوْجُودًا فِي نَفْسِ الْأَصْنَامِ وَحَالًّا فِيهَا ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِظُهُورِهِ وَتَجَلِّيهِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَيْهِ وَآيَاتٌ لَهُمْ ؛ بَلْ يُرِيدُونَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ ظَهَرَ فِيهَا وَتَجَلَّى فِيهَا وَيُشَبِّهُونَ ذَلِكَ بِظُهُورِ الْمَاءِ فِي الزُّجَاجَةِ ؛ وَالزُّبْدِ فِي اللَّبَنِ ؛ وَالزَّيْتِ فِي الزَّيْتُونِ وَالدُّهْنِ فِي السِّمْسِمِ ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي حُلُولَ نَفْسِ ذَاتِهِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ أَوْ اتِّحَادَهُ بِهَا فِي جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ نَظِيرَ مَا قَالَتْهُ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ خَاصَّةً يَجْعَلُونَ الْمُرْدَ مَظَاهِرَ الْجَمَالِ فَيُقَرِّرُونَ هَذَا الشِّرْكَ الْأَعْظَمَ طَرِيقًا إلَى اسْتِحْلَالِ الْفَوَاحِشِ بَلْ إلَى اسْتِحْلَالِ كُلِّ مُحَرَّمٍ كَمَا قِيلَ لِأَفْضَلِ مُتَأَخِّرِيهِمْ - التِّلْمِسَانِيّ - : إذَا كَانَ قَوْلُكُمْ بِأَنَّ الْوُجُودَ وَاحِدٌ هُوَ الْحَقَّ . فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أُمِّي وَأُخْتِي وَابْنَتِي : تَكُونُ هَذِهِ حَلَالًا وَهَذِهِ حَرَامًا ؟ فَقَالَ : الْجَمِيعُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ لَكِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُوبُونَ قَالُوا : حَرَامٌ . فَقُلْنَا : حَرَامٌ عَلَيْكُمْ.
وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْحُلُولِيَّةِ والاتحادية مَنْ يَخُصُّ الْحُلُولَ وَالِاتِّحَادَ بِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ : إمَّا بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ كَالْمَسِيحِ ؛ أَوْ بِبَعْضِ الصَّحَابَةِ كَقَوْلِ الْغَالِيَةِ فِي عَلِيٍّ ؛ أَوْ بِبَعْضِ الشُّيُوخِ كَالْحَلَّاجِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ ؛ أَوْ بِبَعْضِ الْمُلُوكِ ؛ أَوْ بِبَعْضِ الصُّوَرِ كَصُوَرِ الْمُرْدِ وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ : أَنَا أَنْظُرُ إلَى صِفَاتِ خَالِقِي وَأَشْهَدُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَالْكُفْرُ فِي هَذَا الْقَوْلِ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى مَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَوْ قَالَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامَ فِي نَبِيٍّ كَرِيمٍ لَكَانَ كَافِرًا : فَكَيْفَ إذَا قَالَهُ فِي صَبِيٍّ أَمْرَدَ ؟ فَقَبَّحَ اللَّهُ طَائِفَةً يَكُونُ مَعْبُودُهَا مِنْ جِنْسِ مَوْطُوئِهَا . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :{ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } فَإِذَا كَانَ مَنْ اتَّخَذَ الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ لِلَّهِ كُفَّارًا : فَكَيْفَ بِمَنْ اتَّخَذَ بَعْضَ الْمَخْلُوقَاتِ أَرْبَابًا مَعَ قَوْلِهِ إنَّ اللَّهَ فِيهَا أَوْ مُتَّحِدٌ بِهَا ؟ فَوُجُودُهَا وَجُودُهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَالَاتِ ؟.
وَأَمَّا الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ فِي غَضِّ الْبَصَرِ فَهُوَ : أَنَّهُ يُورِثُ نُورَ الْقَلْبِ وَالْفِرَاسَةِ قَالَ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ لُوطٍ :{ لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } فَالتَّعَلُّقُ فِي الصُّوَرِ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْلِ وَعَمَى الْبَصِيرَةِ وَسُكْرَ الْقَلْبِ بَلْ جُنُونَهُ كَمَا قِيلَ : سكران : سُكْرُ هَوًى وَسُكْرُ مُدَامَةٍ فَمَتَى إفَاقَةُ مَنْ بِهِ سكران ؟ وَقِيلَ :

قَالُوا جُنِنْت بِمَنْ تَهْوَى فَقُلْت لَهُمْ *** الْعِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا بِالْمَجَانِينِ
الْعِشْقُ لَا يَسْتَفِيقُ الدَّهْرَ صَاحِبُهُ *** وَإِنَّمَا يُصْرَعُ الْمَجْنُونُ فِي الْحِينِ

وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ آيَةَ النُّورِ عَقِيب آيَاتِ غَضِّ الْبَصَرِ فَقَالَ :{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } وَكَانَ شاه بْنُ شُجَاعٍ الكرماني لَا تُخْطِئُ لَهُ فِرَاسَةٌ وَكَانَ يَقُولُ : مَنْ عَمَّرَ ظَاهِرَهُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَبَاطِنَهُ بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ ؛ وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنْ الْمَحَارِمِ ؛ وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنْ الشَّهَوَاتِ ؛ وَذَكَرَ خَصْلَةً خَامِسَةً وَهِيَ أَكْلُ الْحَلَالِ : لَمْ تُخْطِئْ لَهُ فِرَاسَةٌ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجْزِي الْعَبْدَ عَلَى عَمَلِهِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ فَغَضُّ بَصَرِهِ عَمَّا حَرُمَ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ؛ فَيُطْلِقُ نُورَ بَصِيرَتِهِ وَيَفْتَحُ عَلَيْهِ بَابَ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْكُشُوفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَنَالُ بَصِيرَةَ الْقَلْبِ.
وَالْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ : قُوَّةُ الْقَلْبِ وَثَبَاتُهُ وَشَجَاعَتُهُ فَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ سُلْطَانَ النُّصْرَةِ مَعَ سُلْطَانِ الْحُجَّةِ . وَفِي الْأَثَرِ : " الَّذِي يُخَالِفُ هَوَاهُ يَفْرُقُ الشَّيْطَانُ مِنْ ظِلِّهِ " وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي الْمُتَّبِعِ لِهَوَاهُ مِنْ الذُّلِّ - ذُلِّ النَّفْسِ وَضَعْفِهَا وَمَهَانَتِهَا - مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لِمَنْ عَصَاهُ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْعِزَّةَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَالذِّلَّةَ لِمَنْ عَصَاهُ قَالَ تَعَالَى : { يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ }وَقَالَ تَعَالَى :{ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }.
وَلِهَذَا كَانَ فِي كَلَامِ الشُّيُوخِ :النَّاسُ يَطْلُبُونَ الْعِزَّ مِنْ أَبْوَابِ الْمُلُوكِ وَلَا يَجِدُونَهُ إلَّا فِي طَاعَةِ اللَّهِ.
وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ :وَإِنْ هَمْلَجَتْ بِهِمْ الْبَرَاذِينُ وَطَقْطَقْت بِهِمْ الْبِغَالُ فَإِنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ فِي رِقَابِهِمْ يَأْبَى اللَّهُ إلَّا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ.
وَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَقَدْ وَالَاهُ فِيمَا أَطَاعَهُ فِيهِ وَمَنْ عَصَاهُ فَفِيهِ قِسْطٌ مِنْ فِعْلِ مَنْ عَادَاهُ بِمَعَاصِيهِ.
وَفِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ : { أَنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت }.

وَالصُّوفِيَّةُ الْمَشْهُورُونَ عِنْدَ الْأُمَّةِ الَّذِينَ لَهُمْ لِسَانُ صِدْقٍ فِي الْأُمَّةِ لَمْ يَكُونُوا يَسْتَحِبُّونَ مِثْلَ هَذَا ؛ بَلْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَلَهُمْ فِي الْكَلَامِ فِي ذَمِّ صُحْبَةِ الْأَحْدَاثِ وَفِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْحُلُولِ وَبَيَانِ مُبَايَنَةِ الْخَالِقِ لِلْمَخْلُوقِ ؛ مَا لَا يَتَّسِعُ هَذَا الْمَوْضِعُ لِذِكْرِهِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَهُ مِنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ مِمَّنْ هُوَ عَاصٍ أَوْ فَاسِقٌ أَوْ كَافِرٌ ؛ فَتَظَاهَرَ بِدَعْوَى الْوِلَايَةِ لِلَّهِ وَتَحْقِيقِ الْإِيمَانِ وَالْعِرْفَانِ وَهُوَ مِنْ شَرِّ أَهْلِ الْعَدَاوَةِ لِلَّهِ وَأَهْلِ النِّفَاقِ وَالْبُهْتَانِ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجْمَعُ لِأَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَجْعَلُ لِأَعْدَائِهِ الصَّفْقَةَ الْخَاسِرَةَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

المرجع : مجموع الفتاوى

هذا ما تيسر لي جمعه من آثار سلفنا الصالح في مخالطة ومعاشرة المردان وأرجو من إخواني ممن وقف على غير هذه الآثار ألا يبخل علينا بها مع عزوها إلى مصادرها.
ونسأل من الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا مجالسة ومعاشرة وعشق المردان إنه ولي ذلك والقادر عليه.