المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تنبيهات تتعلق بعصمة نبينا محمد -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- للشيخ أبو عمر العتيبي


أكرم بن نجيب التونسي
05-01-2010, 01:40 PM
تنبيهات تتعلق بعصمة نبينا محمد -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- .


الحمد لله ، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله أما بعد:

فيقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً {45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً}
وقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}.
وقال تعالى : { فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً}
من المعلوم أن من شروط الدخول في الإسلام النطق بالشهادتين "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ، مع وجوب اعتقاد ما تضمنته الشهادتان من شروط وواجبات مع الانقياد لدين الإسلام .
ولوازم شهادة أن محمداً رسول الله -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- : طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
ومن أركان الإيمان الستة : الإيمان بالرسل ويتضمن الإيمان بالرسل –عليهم الصلاة والسلام- عدة مسائل منها: تعزيرهم وتوقيرهم واحترامهم وحبهم ، وتصديقهم فيما أخبروا ، واتباع دينهم وشريعتهم ، واعتقاد عصمتهم من الشرك والكبائر والصغائر المخلة بالمروءة والقادحة في دعوة الرسل –عليهم الصلاة والسلام-.
وأحببت في هذا المقال أن أنبه إلى عدة أمور تتعلق بمسألة عصمة نبينا محمد -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- وهي كما يلي:


الأمر الأول

أن أهل السنة أجمعوا على عصمة النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- في عدة نواحٍ وهي:
1- العصمة في تبليغ رسالة ربه ، وشريعته ودينه.
قال تعالى: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}.
وقال تعالى: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً {73} وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً {74} إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً}
وعن طلحة بن عبيد الله -رضي اللهُ عنه- قال: قال رسول الله -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- : ((إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به ، فإني لن أكذب على الله)). رواه مسلم في صحيحه.

2- العصمة من الكفر والشرك قبل البعثة وبعدها .
قال تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ {1} وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ {2} الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ {3} وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}
قال تعالى: {ما ضل صاحبكم وما غوى}.

عن أنس بن مالك -رضي اللهُ عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتاه جبريل -صلى الله عليه وسلم- وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه -يعني ظئره- فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره)) رواه مسلم في صحيحه(1/147) .
عن زيد بن حارثة -رضي اللهُ عنه- قال: كان صنم من نحاس يقال له: إساف ونائلة ، يتمسح به المشركون إذا طافوا، فطاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطفت معه، فلما مررت مسحتُ به، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تمسه)). قال زيد: فطفنا، فقلت في نفسي لأمسنه حتى أنظر ما يكون. فمسحته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألم تُنْهَ))
قال زيد: فوالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب؛ ما استلم صنماً قط حتى أكرمه الله تعالى بالذي أكرمه وأنزل عليه.
رواه الطبراني في المعجم الكبير(5/87رقم4665)، والحاكم في المستدرك (3/216-217) وصححه على شرط مسلم ، وأبو نعيم في دلائل النبوة (ص/145)، والبيهقي في دلائل النبوة(2/34) وغيرهم وسنده حسن كما قال الشيخ الألباني -رحمهُ اللهُ- في صحيح السيرة النبوية(ص/32) .

3- العصمة من الكبائر كالكذب والخيانة ونحو ذلك ، والعصمة مما يخل بالمروءة ومما هو سبيل لعدم قبول دعوته -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- .
قال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
قال تعالى: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.
وقال تعالى: {ما كذب الفؤاد ما رأى}.
وقال النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- : ((إني أمزح ولا أقول إلا حقاً)).
رواه الإمام أحمد والترمذي والطبراني وغيرهم وهو حديث حسن.
وقال أبو سفيان لما سأله هرقل : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
فقال أبو سفيان -رضي اللهُ عنه- : لا .
فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله.
رواه البخاري في صحيحه.
وقال النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- : ((أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له)) متفق عليه.
إلى غير ذلك من الأدلة على عصمته -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- من الكبائر ومن الصغائر المخلة بالمروءة والشرف ومما يكون سبباً لرد دعوته -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- .


الأمر الثاني

أجمع أهل السنة على أن نبينا محمداً -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- ليس معصوماً من الوقوع في الخطأ في الأمور الدنيوية ، وليس معصوماً من الصغائر التي لا تخل بالمروءة والشرف وعندهم في ذلك قيود :
1- أن الله لا يقره على هذا الخطأ الذي وقع منه بل يوجهه الله للحق وقد يحصل له العتاب على ذلك .
2- أن الخطأ يقع منه -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- على سبيل الاجتهاد من غير أن يتعمده ولذلك لا تسمى "معصية" فهذه العبارة تعد إساءة أدب معه -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- ، ولا يجوز إطلاقها لأن الله قد غفر له ، وهو أتقى الناس وأخشاهم لربه فلا يتعمد معصية أبداً .
3- أن ما وقع منه -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- من الخطأ ليس مما يقدح في حقه أو ينقص من منزلته وقدره. وقد سبق بيان الأمور التي عصم منها -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- .
4- أن التوبة حاصلة منه عن هذا الخطأ ، وهذا مما يرفع من قدره ويعلي منزلته كما أن الله وعده بالمغفرة بقوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}.
انظر حقوق النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- على أمته(1/155).
قال شيخ الإسلام -رحمهُ اللهُ- في منهاج السنة(1/471-473) : [وأما قوله: "بل قد يقع منهم الخطأ"
فيقال له: هم متفقون على أنهم لا يقرون على خطأ في الدين أصلا ، ولا على فسوق، ولا كذب ففي الجملة كل ما يقدح في نبوتهم وتبليغهم عن الله فهم متفقون على تنزيههم عنه.
وعامة الجمهور الذين يجوزون عليهم الصغائر يقولون: إنهم معصومون من الإقرار عليها فلا يصدر عنهم ما يضرهم.
كما جاء في الأثر: كان داود بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة ، والله: {يحب التوابين ويحب المتطهرين}، وإن العبد ليفعل السيئة فيدخل بها الجنة.
وأما النسيان والسهو في الصلاة فذلك واقع منهم ، وفي وقوعه حكمة استنان المسلمين بهم ، كما روي في موطأ مالك: ((إنما أنسى أو أنسى لأسن)) وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني)) أخرجاه في الصحيحين. ولما صلى بهم خمساً فلما سلم قالوا له: يا رسول الله أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً فقال: ... الحديث].


الأمر الثالث


أن وقوع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الخطأ ثم التوبة والاستغفار من تمام كونهم بشراً وكونهم قدوة في التوبة والإنابة .
قال شيخ الإسلام -رحمهُ اللهُ- : [والله تعالى قص علينا قصص توبة الأنبياء لنقتدي بهم في الـمَـتَـاب] مجموع الفتاوى(15/180) .
وانظر إلى كلام مطول وجميل لشيخ الإسلام -رحمهُ اللهُ- يتعلق بتوبة الأنبياء عليهم السلام واستغفارهم وفائدة ذلك على الأمة (10/309) من قوله : [والأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه كانوا لا يؤخرون التوبة، بل يسارعون إليها ويسابقون إليها لا يؤخرون، ولا يصرون على الذنب، بل هم معصومون من ذلك ، ومن أخر ذلك زمناً قليلاً كفَّرَ الله ذلكَ بما يبتليه به كما فعل بذي النون صلى الله عليه وسلم، هذا على المشهور أن إلقاءه كان بعد النبوة...] إلى قوله(10/316): [فصل..] .


الأمر الرابع

أن من يذكر بعض الأمور التي أجمع أهل السنة على عدم عصمة النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- منها على سبيل التنبيه والتعليم مع وافر الاحترام والأدب مع الرسول -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- لا يذم ولا يعاب بله أن يضلل بله أن يكفَّر .
أما من يذكر ذلك على سبيل الهمز واللمز ، أو يتعمد جمعها لأجل الشين والعيب فقد كفر وارتد عن دين الإسلام .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- عن رجل قال إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر دون الصغائر فكفره رجل بهذه فهل قائل ذلك مخطئ أو مصيب؟.
وهل قال أحد منهم بعصمة الأنبياء مطلقا؟، وما الصواب في ذلك؟؟!.
فأجاب شيخ الإسلام -رحمهُ اللهُ- : [الحمد لله رب العالمين ليس هو كافرا باتفاق أهل الدين، ولا هذا من مسائل السب المتنازع في استتابة قائله بلا نزاع.
كما صرح بذلك القاضي عياض وأمثاله مع مبالغتهم في القول بالعصمة، وفي عقوبة الساب، ومع هذا فهم متفقون على أن القول بمثل ذلك ليس هو من مسائل السب والعقوبة، فضلا أن يكون قائل ذلك كافراً أو فاسقاً.
فإن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول أكثر الأشعرية، وهو أيضاً قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء
بل هو لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول، ولم ينقل عنهم ما يوافق القول [هنا بياض بقدر ستة أسطر]
وإنما نقل ذلك القول في العصر المتقدم عن الرافضة ثم عن بعض المعتزلة ثم وافقهم عليه طائفة من المتأخرين.
وعامة ما ينقل عن جمهور العلماء أنهم غير معصومين عن الإقرار على الصغائر ولا يقرون عليها ولا يقولون إنها لا تقع بحال.
وأول من نقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقا وأعظمهم قولا لذلك الرافضة فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل وينقلون ذلك إلى من يعتقدون إمامته وقالوا بعصمة علي والإثنى عشر.
ثم الإسماعيلية الذين كانوا ملوك القاهرة وكانوا يزعمون أنهم خلفاء علويون فاطميون وهم عند أهل العلم من ذرية عبيد الله القداح كانوا هم وأتباعهم يقولون بمثل هذه العصمة لائمتهم ونحوهم مع كونهم كما قال فيهم أبو حامد الغزالي في كتابه الذي صنفه في الرد عليهم قال ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض.
وقد صنف القاضي أبو يعلى وصف مذاهبهم في كتبه وكذلك غير هؤلاء من علماء المسلمين فهؤلاء وأمثالهم من الغلاة القائلين بالعصمة وقد يكفرون من ينكر القول بها وهؤلاء الغالية هم كفار باتفاق المسلمين.
فمن كفر القائلين بتجويز الصغائر عليهم كان مضاهيا لهؤلاء الإسماعيلية والنصيرية والرافضة والإثنى عشرية؛ ليس هو قول أحد من أصحاب أبي حنيفة ولا مالك ولا الشافعي ولا المتكلمين المنتسبين إلى السنة المشهورين كأصحاب أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري وأبي عبد الله محمد بن كرام وغير هؤلاء ولا أئمة التفسير ولا الحديث ولا التصوف ليس التكفير بهذه المسألة قول هؤلاء.
فالمكفر بمثل ذلك يستتاب فإن تاب وإلا عوقب على ذلك عقوبة تردعه وأمثاله عن مثل هذا إلا أن يظهر منه ما يقتضى كفره وزندقته فيكون حكمه حكم أمثاله.
وكذلك المفسق بمثل هذا القول يجب أن يعزر بعد إقامة الحجة عليه فإن هذا تفسيق لجمهور أئمة الإسلام.
وأما التصويب والتخطئة في ذلك فهو من كلام العلماء الحافظين من علماء المسلمين المنتسبين إلى السنة والجماعة وتفصيل القول في ذلك يحتاج إلى بسط طويل لا تحتمله هذا الفتوى والله أعلم].




الأمر الخامس

أختم مقالي هذا بفتوى للجنة الدائمة وفتوى لشيخ الإسلام ابن باز -رحمهُ اللهُ- تتعلقان بموضوع العصمة .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (3/263-264) :
[س10 : بعض الناس يقولون ومنهم الملحدون أن الأنبياء والرسل يكون في حقهم الخطأ يعني يخطئون كباقي الناس قالوا: إن أول خطأ ارتكبه ابن آدم قابيل هو قتل هابيل، داود عندما جاء إليه الملكان سمع كلام الأول ولم يسمع قضية الثاني فأفتى، يونس وقصته لما التقمه الحوت، وقصة الرسول مع زيد بن حارثة قالوا بأنه أخفى في نفسه شيئاً ، يجب عليه أن يقوله ويظهره، قصته مع الصحابة: أنتم أدرى بأمور دنياكم، قالوا: أخطأ في هذا الجانب. قصته مع الأعمى وهي: {عبس وتولى * أن جاءه الأعمى) ، فهل الأنبياء والرسل حقاً يخطئون؟ وبماذا نرد على هؤلاء الآثمين؟
ج10 : نعم، الأنبياء والرسل قد يخطئون ، ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم، بل يبين لهم خطأهم ، رحمة بهم وبأممهم، ويعفو عن زلتهم، ويقبل توبتهم، فضلاً منه ورحمة، والله غفور رحيم، كما يظهر ذلك من تتبع الآيات القرآنية التي جاءت فيما ذكر من الموضوعات في هذا السؤال.
ولم ينكر الله تعالى على نبيه محمد -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- إخباره أمته بحديث الذباب وما في جناحيه من الداء والدواء بل أقره فكان صحيحاً، وأما أبناء آدم فمع أنهما ليسا من الأنبياء لَمَّا قتل أحدهما الآخر ظلماً وعدواناً بيَّن الله سوء صنيعه بأخيه ، وبيَّن نبينا محمد -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- أن ((ما من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل)).
وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس : عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
نائب رئيس اللجنة: عبد الرزاق عفيفي.
عضو: عبد الله بن غديان.
عضو: عبد الله بن قعود.
وجاء في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لشيخ الإسلام عبد العزيز بن باز -رحمهُ اللهُ- (6/371-373) :
"الأنبياء معصومون فيما يبلغونه
س : سمعت من عالم إسلامي يقول إن الرسول يخطئ ، فهل هذا صحيح؟ وقد سمعت أيضا أن الإمام مالك يقول : كل منا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر ، مع بيان حديث الذباب بعد أن تجرأ على تكذيبه بعض الناس ؟
جـ : قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولاسيما خاتمهم محمد معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل من أحكام . كما قال عز وجل : وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى فنبينا محمد معصوم في كل ما يبلغ عن الله من الشرائع قولا وعملا وتقريرا ، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم ، وقد ذهب جمهور أهل العلم أيضا إلى أنه معصوم من المعاصي الكبائر دون الصغائر ، وقد تقع منه الصغيرة لكن لا يقر عليها ، بل ينبه عليها فيتركها ، أما من أمور الدنيا فقد يقع الخطأ ثم ينبه على ذلك . كما وقع من النبي لما مر على جماعة يلقحون النخل فقال ما أظنه يضره لو تركتموه فلما تركوه صار شيصا ، فأخبروه فقال عليه الصلاة والسلام : إنما قلت ذلك ظنا مني وأنتم أعلم بأمر دنياكم أما ما أخبركم به عن الله عز وجل فإني لم أكذب على الله رواه مسلم في الصحيح ، فبين عليه الصلاة والسلام أن الناس أعلم بأمور دنياهم كيف يلقحون النخل وكيف يغرسون وكيف يبذرون ويحصدون .
أما ما يخبر به الأنبياء عن الله سبحانه وتعالى فإنهم معصومون من ذلك .
فقول من قال : إن النبي يخطئ فهذا قول باطل ، ولا بد من التفصيل كما ذكرنا، وقول مالك رحمه الله : ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر- قول صحيح تلقاه العلماء بالقبول ، ومالك رحمه الله من أفضل علماء المسلمين ، وهو إمام دار الهجرة في زمانه في القرن الثاني ، وكلامه هذا كلام صحيح تلقاه العلماء بالقبول ، فكل واحد من أفراد العلماء يرد ويرد عليه ، أما الرسول فهو لا يقول إلا الحق ، فليس يرد عليه ، بل كلامه كله حق فيما يبلغ عن الله تعالى ، وفيما يخبر به جازما به أو يأمر به أو يدعو إليه .
أما حديث الذباب فهو حديث صحيح رواه البخاري في صحيحه ، وقد أخبر به النبي جازما به ، فقال عليه الصلاة والسلام : إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وله شواهد من حديث أبي سعيد الخدري وحديث أنس بن مالك ، وكلها صحيحة ، وقد تلقتها الأمة بالقبول ومن طعن فيها فهو غالط وجاهل لا يجوز أن يعول عليه في ذلك ، ومن قال إنه من أمور الدنيا وتعلق بحديث أنتم أعلم بشئون دنياكم - فقد غلط ؛ لأن الرسول جزم بهذا ورتب عليه حكما شرعيا ولا قال أظن ، بل جزم وأمر ، وهذا فيه تشريع من الرسول ؛ لأنه قال إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فهذا أمر من الرسول وتشريع للأمة ، وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
والله ولي التوفيق


والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


كتبه:


أبو عمر أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي – كان الله له-.

المصدر من موقع الشيخ (http://otiby.net/makalat/articles.php?id=105)