المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصيدة رائعة للإمام ابن القيّم الجوزيّة رحمه الله


الشاعر أبو رواحة الموري
03-27-2010, 11:31 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فهذه قصيدة قيمة رائعة من روائع الإمام ابن قيم الجوزية طيب الله ثراه , حملتْ قوةً في الرد وبيان حال المبطلين , فقد ناقشهم نقاشا مُرّاً مع تعظيم جناب أهل التوحيد من الصحابة وتابعيهم بإحسان



ذهبَ الرجالُ وحال دون مجالهم * * * زُمَـرٌ مـن الأوبـاش والأنـذال
زعموا بأنهـمُ على آثارهـم* * * سـاروا ولكـنْ سـيرة البُطَّـال
لبسوا الدلوق مرقَّعـا وتقشَّفوا * * * كتقشُّف الأقطـاب والأبـدال
قطعوا طريق السالكين وغوَّروا * * * سبـلَ الهـدى بجهالـةٍ وضلال

عمَروا ظواهرَهم بأثواب التقى * * * وحشـوا بواطنَهـم من الأدغال
إنْ قلتَ : قال الله قالرسوله * * * همزوك همْـزَ المنكِـر المتغـالي
أو قلتَ : قد قال الصحابة والألى * * * تبعوهـم في القـول والأعمال
أو قلتَ: قال الآلُ آلُ المصطفى * * * صلى عليـه الله أفضـلُ آل
أو قلتَ : قال الشافعيُّ:وأحمدٌ * * * وأبـو حنيفـة والإمـامُ العـالي

أو قلت: قال صحابهم من بعدهم * * * فالكـل عندهـم كشِبْه خيال
ويقول : قلبي قال لي عن سرِّه * * * عن ِسرِّ سرِّي عن صفا أحوالي
عن حضرتي عن فكرتي عن خلوتي * * * عن شاهدي عن واردي عن حالي
عن صفو وقتي عن حقيقة مشهدي * * * عن سرِّ ذاتي عن صفاتِ فعالي

دعـوى إذا حقَّقْتَهـا ألفيتَهـا* * * ألقـابَ زُور لفِّقـتْ بمحـال

تركوا الحقائقَ والشرائعَ واقتدوا * * * بظواهـر الجهَّـال والضُّـلَّال
جعلوا المِِرا فتْحـاً وألفاظَ الخنا * * * شطْحـاً وصالوا صولةَ الإدلال
نبذوا كتابَ الله خلْف ظهورهم * * * نبْذَ المسافر فضْلـةَ الأكَّـال

جعلوا السماعَ مطيَّةً لهواهـم * * * وغلَوا فقالوا فيه كلَّ محـال

هو طـاعةٌ هو قُربـةٌ هو سنةٌ* * * صدقوا لذاك الشيخ ذي الإضلال
شيخٌ قديـمٌ صادهـم بتحيـُّل* * *حتى أجابوا دعوةَ المحتـــال
هجروا له القرآنَ والأخبـارَ والـ * * * آثـارَ إذ شهدتْ لهم بضلَال

ورأوا سماعَ الشِّعْـر أنفعَ للفتى * * * مـن أوجُهٍ سَبـْعٍ لهـم بتَوال

تالله مـا ظفرَ العـدوُّ بمثلهـا * * * من مثلهـم واخيبةَ الآمــال
نصبَ الحبالَ لهم فلم يقعوا بها * * * فأتى بذا الشركِ المحيط الغـالي
فإذا بهـم وسْط العرين ممزَّقى * * * الأثواب والأديـان والأحوال

لا يسمعون سوى الذي يهوونه * * * شُغُـلاً به عن سائر الأشغـال

ودُعُوا إلى ذات اليمين فأعرضوا * * * عنها وسـار القوم ذاتَ شمال
خرُّوا على القرآن عند سمـاعه * * * صمَّاً وعُميانـاً ذوي إهمال
وإذا تلا القارىْ عليهـمْ سورةً * * * فأطالـها عـدُّوه في الأثقال

ويقول قائلهم : أطلتَ وليس ذا * * * عُشْر فخفِّف أنتَ ذو إملال

هذا وكم لغْوٍ وكم صخبٍ وكم * * *ضحِكٍ بلا أدبٍ ولا إجمال
حتى إذا قـام السَّماعُ لديهم * * * خشعتْ له الأصواتُ بالإجلال
وامتدتِ الأعناقُ تسمعُ وحْي ذا* * * ك الشيخ من مترنِّمٍ قوال


وتحركَتْ تلك الرءوسُ وهزَّها * * * طربٌ وأشواقٌ لنيل وِصالفهنالك الأشواق والأشجـان والـ * * * أحـوال لا أهلاً بذي الأحوال
تالله لو كانوا صُحـاةً أبصروا * * * ماذا دهاهـم من قبيح فِعال
لكنمـا سكر السمـاع أشد * * * من سُكر المُدام وذا بلا إشكال
فإذا همـا ا جتمعـا لنفْسٍ مرة * * * نالتْ من الخُسران كلَّ مَنال
يـا أمـةً لعبتْ بدِين نبيِّهـا* * * كتلاعب الصِّبيان في الأوحال
أشمتمُ أهلَ الكتـاب بدينكم * * * والله لن يرضوا بذي الأفعال

كم ذا نعير منهـم بفريقكـم * * * سراً وجهراً عند كل جدال
قالوا لنا : دين عبـادة أهله * * * هذا السماع فذاك دين محال
بـل لا تجىء شريعـةٌ بجوازه* * * فسلوا الشرائعَ تكتفوا بسؤال
لو قلتمو فسْقٌ ومعصيةٌ وتـز * * * يين مـن الشيطـان للأنــذال
ليصُدَّ عن وحي الإلـه ودينه* * * وينـال فيـه حيلـة المحتـال
كنا شهدنـا أنَّ ذا دينٌ أتى* * *بالحق دينُ الرسْل لا بِضَلال

والله منهـم قـد سمعنـا ذا إلى * * * الآذان من أفـواههم بمقـال

وتمام ذاك القول بالحيَـل التي * * * فسختْ عقودَ الدين فسْخَ فصال
جعلتْه كالثوب المهلْهل نسجُه * * * فيه تفصِّلـه مـن الأوصـال
ما شئتَ من مكْر ومن خدع ومن * * * حِيَـلٍ وتلبيس بلا إقـلال
فاحتل على إسقاط كلِّ فريضةٍ * * * وعلى حـرامِ الله بالإحلال
واحتلْ على المظلوم يقلبُ ظالما * * * وعلى الظلوم بضدِّ تلك الحال

واقلبْ وحوِّل فالتحيُّل كلُّـه * * * في القلب والتحويل ذو إعمال
إن كنتَ تفهمُ ذا ظفرتَ بكلما * * * تبغى من الأفعال والأقوال
واحتلْ على شرب المُدام وسَمِّها * * * غيرَ اسمها واللفظ ذو إجمال
واحتل على أكلِ الربا واهجر شنا * * * عةَ لفظه واحتل على الإبدال
واحتل على الوطء الحرام ولا تقلْ * * * هذا زنـا وانكح رخي البال
واحتل على حَلِّ العقود وفسْخِها * * * بعد اللزوم وذاك ذو إشكال
إلا على المحتـال فهو طبيبُهـا * * * يـا محنة الأديـان بالمحتــال

واحتلْ على نقض الوقوف وعودها * * * طلْقـاً ولا تستحي من إبطال
فكِّر وقدِّر ثم فصِّـلْ بعْـد ذا* * * فإذا غلبتَ فلُجَّ في الإشكال
واحتلْ على الميراث فانزعْه منَ الـ * * * ورَّاث ثم ابْلـعْ جميـعَ المـال
قد أثبتوا نسَبـاً وحصْراً فيكم * * * حتى تحوز الإرث للأمـوال
واعمدْ إلى تلك الشهادة واجعلِ الـ * * * إبطـالَ همَّك تحظَ بالإبطال

فالحصْـرُ إثبـاتٌ ونفْيٌ غـير معـ * * *لـومٍ وهذا موضعُ الإشكال
واحتلْ على مـال اليتيم فإنـه * * * رزقٌ هنيٌّ من ضعيف الحال
لا سوطه تخشى ولا من سيفه * * * والقول قولُك في نفاذ المال
واحتل على أكل الوقوف فإنها * * * مثلُ السوائب ربة الإهمـال
فأبو حنيفة عنده هي باطـلٌ* * * في الأصـل لم تحتجْ إلى إبطال
فالمـال مـال ضـائعٌ أربابُه * * * هلكوا فخذْ منه بلا مكيــال

وإذا تصِحُّ بحكم قاضٍ عادل * * * فشروطُها صارتْ إلى اضمحلال
قد عطَّل الناسُ الشروط وأهملوا * * * مقصودَهـا فالكل في إهمال
وتمام ذاك قضاتُنا وشهودُنـا * * * فاسأل بهم ذا خبرةٍ بالحـال
أما الشهود فهم عدول عن طريـ * * * ـق العدل في الأقوال والأفعال
زوراً وتنميقـاً وكـتمانـا وتلـ * * * ـبيساً وإسـرافـا بأخذ نوال

ينسى شهـادته ويحلـف إنه * * *نـاسٍ لها والقلبُ ذو إغفال
فإذا رأى المنقوشَ قال:ذكرتُها * * * يـا للمذكّر جئتَ بالآمال
ويقول قائلُهم : أخوض النار في * * * نزْرٍ يسير ذاك عينُ خبـال
ثقِّل لي الميـزانَ إني خـائض * * *للمنكبين أجرُّ بالأغــلال
أما القضاة فقد تواتر عنهم * * * مـا قد سمعتُ فلا تفُهْ بمقال
ماذا تقول لمن يقول:حكمت أنت * * * فـاسق أو كافر في الحـال
فإذا استغثتَ أُغثتَ بالجلد الذي * * * قد طرَّقوه كمثل طرْق نعال
فيقول طق فتقول : قط فتعارضا * * * ويكون قول الجلد ذا إعمال

فأجارك الرحمنُ من ضرْب ومن * * * عرْض ومن كذبٍ وسوءِ مقال
هذا ونسبـة ذاك أجمعُـه إلى * * *دينِ الرسول وذا من الأهوال
حاشا رسول الله يحكمُ بالهوى * * * والجهلِ تلك حكومةُ الضُلَّال
والله لو عُرضتْ عليه كلُّهـا * * *لاجتثَّهـا بالنقْضِ والإبطال
إلا التي منهـا يوافق حكمه * * * فهو الذي يلقـاه بالإقبـال
أحكامُه عدْلٌ وحقٌّ كلُّهـا * * * في رحمةٍ ومصالحٍ وحـلال

شهدتْ عقولُ الخلق قاطبة بـما * * * في حكمه من صحةٍ وكمال
فإذا أتت أحكامـه ألفيتَهـا * * * وفْقَ العقول تزيلُ كلَّ عقال
حتى يقول السامعون لحكمه: * * * مـا بعد هذا الحق غيرُ ضلال
لله أحكام الرسول وعدْلـها * * *بين العبـاد ونورها المتلالى

كانت بها في الأرض أعظم رحمة * * * والناس في سعْد وفي إقبال
أحكامُهم تجرى على وجه السداد * * * وحالهـم في ذاك أحسن حال
أمْناً وعزاً في هدىً وتراحمٍ * * * وتواصـلٍ ومحبـةٍ وجلال
فتغيرتْ أوضاعُهـا حتى غدتْ * * * منكورةً بتلوُّثِ الأعمـال
فتغيَّرتْ أعمالُهـم وتبدلـتْ * * * أحوالُهم بالنقص بعد كمال
لو كان دينُ الله فيهم قائمـاً * * * لرأيتهم في أحسن الأحوال

وإذا همو حكموا بحكم جائرٍ * * * حكموا لمنكره بكـل وبال
قالوا : أتنكرُ حكمَ شرعِ محمدٍ * * * حاشا لذا الشرع الشريف العالي
عجت فروج الناس ثم حقوقهم * * * لله بـالبكـرات والآصـال
كم تستحلُّ بكل حكم باطل* * *لا يرتضيـه ربُّنـا المتعـالي
والكل في قعر الجحيم سوى الذي * * * يقضى بدين الله لا لنـوال
أو ما سمعت بأن ثلثيهم غدا * * * في النار في ذاك الزمان الخالي
وزماننـا هذا فربـك عالِـمٌ* * *هل فيه ذاك الثلْثُ أم هو خالي

يا باغى الإحسان يطلبُ ربـَّه * * * ليفـوز منه بغايـة الآمـال
انظر إلى هدْي الصحابة والذي * * * كانوا عليه في الزمان الخالى
واسلكْ طريقَ القوم أين تيمَّموا * * * خذ يمنةً ما الدربُ ذات شمال
تالله ما اختاروا لأنفسهم سوى * * * سبل الهدى في القول والأفعال
درجوا على نهج الرسول وهدْيه * * * وبه اقتدوا في سائر الأحوال
نعم الرفيقُ لطالب يبغي الهدى * * * فمآله في الحشر خير مآل
القانتيـن المخبتيـن لربهـم* * *الناطقين بأصدق الأقـوال
التاركـين لكـل فعْـل سيء* * *والعاملين بأحسن الأعمـال

أهواؤهـم تبَعٌ لدين نبيهـم* * * وسواهـم بالضد في ذي الحال
مـا شابهـم في دينهـم نقص ولا * * *في قولهم شطْح الجهول الغالي
عملوا بمـا علمـوا ولم يتكلَّفوا * * * فلذاك ما شابوا الهدى بضلال
وسواهم بالضد في الأمرين قد * * * تركوا الهدى ودعوا إلى الإضلال
فهم الأدلة للحيـارى من يسِر * * * بهداهـم لم يخشَ من إضـلال
وهم النجوم هدايةٌ وإضـاءةٌ* * * وعلـوُّ منزلـة وبُعْدُ منـال

يمشـون بين النـاس هونـاً* * *نطْقُهم بالحق لا بجهالة الجهال
حلْمـاً وعلمـاً مـع تقـىً * * * وتواضعٍ ونصيحةٍ مع رتبة الإفضال
يحيـون ليلهـم بطاعـة ربهـم * * * بـتـلاوة وتضـرُّعٍ وسـؤال
وعيونهم تجرى بفيض دموعهـم * * * مثـل انهمـال الوابـل الهطَّال
في الليل رهبانٌ وعند جهادهم * * * لعدوهـم من أشجـع الأبطـال

وإذا بدا علم الرهـان رأيتهـم * * * يتسـابقون بصـالح الأعمـال
بوجوههـم أثَـر السجود لربهـم * * * وبهـا أشعـة نـوره المتـلالي
ولقد أبان لك الكتاب صفاتِهـم * * * في سـورة الفتـح المبين العـالي
وبرابع السبع الطـوال صفاتُهـم * * * قـومٌ يحبهــم ذوو إدلال
وبراءة والحشر فيهـا وصفهـم * * * وبهـل أتى وبسـورة الأنفـال