المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مرثيـة أبي الحسن التُّهامي في ابنه


الشاعر أبو رواحة الموري
06-08-2009, 09:39 PM
مرثيـة أبي الحسن التُّهامي في ابنه
هو علي بن محمد بن فهد ، أبو الحسن التهامي الشاعر , وهو من الشعراء المحسنين المجيدين ،
وهذه القصيدة قالها في رثاء ابنه وقد عُدَّتْ من عيون قصائد الرثاء والحكمة :

حُكْـم المنيَّـة فـي البريَّـة جـارِ * * * مـا هـذه الـدنيـا بـدار قـرارِ
بيـنا يُـرى الإنسانُ فيهـا مخْبِـراً * * * حتى يُـرى خبَـراً مـن الأخبـارِ
طُبِعتْ على كـدَرٍ وأنـت تريدُهـا * * * صفْـواً مـن الأقْـذاء والأكْـدار
ومكلِّـفُ الأيَّـام ضِـدَّ طِباعهـا * * * متطلِّـبٌ فـي المـاء جـذوةَ نـار

وإذا رجـوتَ المستحيـلَ فـإنمـا * * * تبنـي الـرَّجاءَ على شفيـرٍ هـارِ
فـالعيـشُ نـومٌ والمنيـةُ يقظـةٌ * * * والمــرءُ بينهمـا خيـالٌ سـارِ
والنفـسُ إنْ رضيتْ بذلك أو أبتْ * * * منقــادةٌ بـأزمَّــة المقْــدار
فاقْضـوا مآربَكـم عُجـالاً إنمـا * * * أعمـارُكـم سفَـرٌ مـن الأسفـارِ

وتراكضـوا خيلَ الشباب وبادِروا * * * أنْ تُستـرَدَّ فـإنَّـهـن عَــوار
فالدهـرُ يـخدعُ بالمنى ويغـصُّ إنْ * * * هٌنّـا ويهـدِمُ مـا بنـى ببـوارِ
ليس الـزمانُ وإنْ حـرصتَ مسالماً * * * خُلُـقُ الـزمـانِ عـداوةُ الأحـرارِ
إني ُوتِـرْتُ بصـارم ذي رونَـقٍ * * * أعـددتُـه لطـلابـة الأوتــار

زَرَداً فأحكمَ كـلَّ مـوصِـل حلقةٍ * * * بحبـابـةٍ فـي مـوضـع المسمـار
ودَحَوا فُـويقَ الأرض أرضاً مـن دَمٍ * * * ثـم انثنـوا فبنَـوا سمـاءَ غُبـار
قـومٌ إذا لبسـوا الـدُّروع حسبتَها * * * سُحُـباً مــزرَّرة علـى أقمــار
وتـرى سيـوف الـدارعـين كأنهـا * * * خلُـجٌ تَمُـدُّ بهـا أكُـفَّ بحـار

لـو أشـرعـوا أيمانَهم فـي طـولها * * * طعنـوا بها عِـرْضَ القنـا الخطّـار
جنَبـوا الجيادَ إلـى المطيِّ وراوحوا * * * بيـن السُّـروج هنـاك والأكْـوار
فكأنَّمـا ملـؤوا عيـاب دروعهـم * * * وغمـود أنْصُلهـم سـراب قفـار
وكأنمـا صَنَـعُ السـوابـغِ عَـزّه * * * مـاءُ الحـديـد فصـاغ ماء قـرار

فتـدرَّعـوا بمتـون مـاءٍ جامـدٍ * * * وتقنعــوا بحبـاب مـاءٍ جـار ِ
أُسْـدٌ ولكـن يـؤثِرون بـزادهـم * * * والأسْـد ليـس تَـديـن بالإيثـار
يتـزيَّن النادي بحسـن وجـوههـم * * * كتـزيُّـن الهـالات بـالأقمـار
يتعطَّفـون علـى المجـاور فيهـم * * * بـالمنْفِسـاتِ تعطُّـفَ الآظـار

مـن كـل مـن جعـل الظُبى أنصاره * * * وكَـرُمْـنَ واستغنـى عـن الأنصار
والليـث إن ثـاورته لـم يعتمـد * * * إلا علـى الأنيـاب والأظفـار
وإذا هـو اعتقـل القنـاة حسبتهـا * * * صِـلاً تـأبطـه هـزبـر ضـار
زَرَدُ الدلاص من الطعـان بـرمحـه * * * مثـل الأسـاور في يـد الإسـوار

ويجـر حين يجـر صعــدة رمحـه * * * فـي الجحفـل المتضـايـق الجـرَّار
مـا بيـن ُترْب بالـدماء مُلبـَّدٍ * * * زَلِـقٍ ونقـعٍ بـالطِّــراد مثـار
والهـون فـي ظل الهوينـا كامـنٌ * * * وجـلالة الأخطـار فـي الأخطـارِ
تنـدى أسـرَّةُ وجهـه ويمينـه * * * فـي حالـة الإعصـار والإيسـارِ

ويمـدُّ نحـو المكرمـات أنامـلاً * * * لـلـرزق في أثنـائـهـن مـجـارِ
يحـوي المعالـي غالبـاً أو خالبـاً * * * أبـداً يُـداني دونهـا ويــداري
قـد لاح في ليل الشباب كواكـبٌ * * * إنْ أُمهِلـتْ آلـتْ إلـى الأسفـارِ
يا كـوكباً ما كان أقصـرَ عمْـرَه * * * وكذا تكـون كواكـبِ الأسحـارِ

أثْنـي عليـه بأثْـره ولـو انـه * * * لـم يغتبِـطْ أثنيـتُ بـالآثـارِ
وهلالُ أيامٍ مضـى لـم يسْتـدِرْ * * * بـدْراً ولم يُمْهَـلْ لـوقْـت سِـرار
عجِلَ الخسـوفُ عليه قبل أوانـه * * * فمحـاه قبـل مظنـة الإبـْـدارِ
واستُـلَّ مـن أتْرابـه ولِـداتـه * * * كـالمقْلـة استُلَّـتْ مـن الأشفـار

فكـأنَّ قلبـي قبـرُه وكـأنَّـه * * * فـي طيِّـه سِـرٌّ مـن الأسـرار
إن يُحتقَر صِغَـراً فـرُبَّ مفخَّـم * * * يبـدو ضئيـلَ الشخـص للنظـار
إن الكـواكب فـي علُـوِّ محلهـا * * * لتُـرى صِغاراً وهـي غيـرُ صغـارِ
ولـدُ المعـزَّى بعضه فـإذا انقضى * * * بعضُ الفتـى فالكـل فـي الآثـار

أبكيه ثـم أقـولُ معتـذراً لـه * * * وفِّقـتَ حيـن تركـتَ أَلأَمَ دار
جاورتُ أعـدائـي وجـاور ربـَّه * * * شتـانَ بيـن جِـواره وجِـواري
أشكو بعـادَك لـي وأنت بموضع * * * لـولا الـردى لسمعتَ فيه سِراري
والشرْقُ نحـو الغـرْب أقربُ شقة * * * مـن بعـد تلك الخمسـة الأشبار

هيهات قـد علقتْك أشراكُ الـرَّدى * * * واعتاق عمْـرَك عـائـقُ الأعمار
ولقـد جـريتَ كما جـريتُ لغايةٍ * * * فبلغتَهـا وأبـوك فـي المضمـار
فإذا نطقـتُ فأنـت أولُ منطقـي * * * وإذا سكـتُّ فأنت فـي إضمـاري
أُخفي من البـُرَحاء ناراً مثْـلَ ما * * * يخفـي مـن النار الـزِّناد الـواري

وأُخفّضُ الـزفـرات وهي صواعدٌ * * * وأكفكـف العبـَرات وهي جـوار
وشهـاب زند الحـزن إنْ طاوعتُـه * * * أورى وإن عـاصيتُـه متـواري
وأكـفُّ نيـرانَ الأسـى ولربـَّمـا * * * غلـبَ التصبُّـرُ فـارتَـمتْ بشَـرَارِ
ثوبُ الـرياء يشِفُّ عمـا تحتـه * * * وإذا التحفْـتَ بـه فـإنَّـك عـارِ

قصـرتْ جفـوني أم تباعد بينهـا * * * أم صُـوِّرت عينـي بـلا أشفـارِ
جلت الكَـرى حتى كـأنَّ غـرارها * * * عند اغتماض العيـن حـد غـرارِ
ولو استـزارتْ رقـدةً لرمى بهـا * * * مـا بيـن أجفـانـي إلى التيَّـارِ
أُحيـي الليالـي التمَّ وهي تميتنـي * * * ويـميتُـهــن تبـلَّـجُ الأنـوارِ

حتى رأيتُ الصـبحَ تهتـك كفُّـه * * * بالضـوء رفـرَفَ خيمـةٍ كالقـارِ
والصبحُ قد غمـر النجـومَ كأنَّـه * * * سيـل طغـى فطَمـا على الـنُّـوَّارِ
وتلهُّـبُ الأحشاء شيَّـبَ مفْرقـي * * * هـذا الضياء شُـواظ تلـك النـارِ
شاب القـذال وكل غصن صائـر * * * فينـانُـه أحْـوى إلـى الإزهـارِ

والشِّبْه منجـذبٌ فلِمْ بيضُ الدمى * * * عـن بيض مفـرْقـةٍ ذوات نَفـارِ
وتود لـو جعلتْ سـوادَ قلوبهـا * * * وسـوادَ أعينهـا خضـابَ عـذارِ
لاتنفـر الظبْياتُ عنـه فقـد رأتْ * * * كيف اختـلاف النَّبتِ فـي الأطـوارِ
شيئـان ينقشِعـان أولَ وهْلـةٍ * * * شرْخُ الشباب , وخلَّـةُ الأشـرارِ

لا حبذا الشيـب الوفـي وحبـذا * * * ظـلُّ الشبـاب الخائـن الغـدارِ
وطَـري من الدنيا الشبابُ وروقُه * * * فإذا انقضـى فقـد انقضتْ أوطاري
قصُـرتْ مسافتُه ومـا حسناتُـه * * * عـنـدي ولا آلاؤه بـقِـصـارِ
نـزداد هماً كلما ازددنـا غنـىً * * * والفقـرُ كلُّ الفقـر فـي الإكثـارِ

مـا زاد فـوق الزاد خُلِّف ضائعـاً * * * فـي حـادثٍ أو وارثٍ أو عـارِ
إنـي لأرحمُ حاسِـديَّ لحـرِّ مـا * * * ضمَّـتْ صـدورُهم مـن الأوغـارِ
نظـروا صنيعَ اللهِ بـي فعيـونُهـم * * * فـي جنَّـة وقلـوبُهـم فـي نـارِ

لا ذنبَ لـي كم رُمتُ كتْمَ فضائـلي * * * فكـأنمـا مـرقــاةُ وجْــهٍ آرِ
وستـرتُها بتـواضعـي فتطلَّعـتْ * * * أعنـاقُهـا تعلـو علـى الأستـارِ
ومـن الرجـال معالِـمٌ ومجاهـلٌ * * * ومن النجـوم غـوامـضٌ ودراري
والناس مشتبهـون فـي إيرادهـم * * * وتبـاين الأقـوام فـي الإصـدارِ

عَمْـري لقـد أوطأتهم طرُقَ العـلا * * * فعمَـوا ولم يقِفـوا علـى آثـاري
لو أبصـروا بقلـوبهم لاستبصروا * * * وعمى البصائـرِ مِـن عمَـى الأبصارِ
هلا سعَوا سعْيَ الكرام فأدْركـوا * * * أو سلَّمـوا لمـواقــع الأقْــدارِ

ذهبَ التكرُّم والوفـاءُ من الورى * * * وتصـرَّمـا إلا مـن الأشـعــار
وفشـتْ خياناتُ الثقات وغيـرِهم * * * حتـى اتّهمنـا رؤيـةَ الأَبصـار
ولـربما اعتَضَـدَ الحليـمُ بجاهـلٍ * * * لا خيـرَ فـي يُمنـى بغيـر يسـارِ