المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فصل : لا تنون عن طلب الكمال كلام جميل لابن الجوزي رحمه الله


أكرم بن نجيب التونسي
01-23-2010, 12:52 AM
فصل : لا تَنَوَنَّ عن طلب الكمال


من أعمل فكره الصافي دله على طلب أشرف المقامات ، و نهاه عن الرضى بالنقص في كل حال.
و قد قال أبو الطيب المتنبي :
و لم أر في عيوب الناس عيباً ...... كنقص القادرين على التمام
فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه .
فلو كان يتصور للآدمي صعود السموات ، لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض .
و لو كانت النبوة تحصل بالإجتهاد ، رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض . غير أنه إذا لم يمكن ذلك فينبغي أن يطلب الممكن .
و السيرة الجميلة عند الحكماء خروج النفس إلى غاية كمالها الممكن لها في العلم و العمل .
و أنا أشرح من ذلك ما يدل مذكوره على مغفله :
أما في البدن : فليست الصورة داخلة تحت كسب الآدمي ، بل يدخل تحت كسبه تحسينها و تزيينها . فقبيح بالعاقل إهمال نفسه .
و قد نبه الشرع على الكل بالبعض ، فأمر بقص الأظفار ، و نتف الإبط ، و حلق العانة ، و نهى عن أكل الثوم و البصل النيء لأجل الرائحة .
و ينبغي له أن يقيس على ذلك و يطلب غاية النظافة و نهاية الزينة .
و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يعرف مجيئه بريح الطيب ، فكان الغاية في النظافة و النزاهة .
و لست آمر بزيادة التقشف الذي يستعمله الموسوس ، و لكن التوسط هو المحمود .
ثم ينبغي له أن يرفق بيدنه الذي هو راحلته و لا ينقص من قوتها فتنقص قوته .
و لست آمر بالشبع الذي يوجب الجشاء ، إنما آمر بالتوسط فإن قوى الآدمي كعين جارية كم فيها منفعة لصاحبها و لغيره .
و لا يلتفت إلى قول الموسوسين من المتزهدين الذين جدوا في التقلل فضعفوا عن الفرائض .
و ليس ذلك من الشرع و لا نقل عن الرسول صلى الله عليه و سلم و لا أصحابه .
إنما كان الرسول صلى الله عليه و سلم و أصحابه إذالم يجدوا جاعوا ، و ربما آثروا فصبروا ضرورة .
و كذلك ينبغي أن ينظر لهذه الراحلة في علفها ـ فرب لقمة منعت لقمات ـ فلا يعطيها ما يؤذيها بل ينظر لها في الأصلح ، و لا يتلفت إلى متزهد يقول لا أبلغها الشهوات .
فإن النظر ينبغي أن يكون في حل المطعم و أخذ ما يصلح بمقدار .
و لم ينقل عن الرسول صلى الله عليه و سلم و لا أصحابه رضي الله عنهم ما أحدثه الموسوسون في ترك المشتهيات على الإطلاق . إنما نقل عنهم تركها لسبب ، إما للنظر في حلها ، أو للخوف من مطالبة النفس بها في كل وقت و يجوز ذلك .
و ينبغي له أن يجتهد في التجارة و الكسب ليفضل على غيره و لا يفضل غيره عليه .
و لبيلغ من ذلك غاية لا تمنعه عن العلم ، ثم ينبغي له أن يطلب الغاية في العلم .
و من أقبح النقص التقليد ، فإن قويت همته ، رقته إلى أن يختار لنفسه مذهباً و لا يتمذهب لأحد فإن المقلد أعمى يقوده مقلده .
ثم ينبغي أن يطلب الغاية في معرفة الله تعالى و معاملته ، و في الجملة لا يترك فضيلة يمكن تحصيلها إلا حصلها . فإن القنوع حالة الأرذال .
فكن رجلاً رجله في الثرى ....... و هامة همته في الثريا

و لو أمكنك عبور كل أحد من العلماء و الزهاد فافعل ، فإنهم كانوا رجالاً و أنت رجل . و ما قعد من قعد إلا لدناءة الهمة و خساستها .
و اعلم أنك في ميدان سباق و الأوقات تنتب و لا تخلد إلى كسل ، فما مات ما فات إلا بالكسل ،و لا نال من نال إلا بالجد و العزم .
و إن الهمة لتغلي في القلوب غليان مافي القدور ، و قد قال بعض من سلف :
ليس لي مال سوى كرى ....... فبه أحيا من العدم
قنعت نفسي بمارزقت ...... و تمطت في العلا هممي اهـ

من كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي رحمه الله و غفر له

الشاعر أبو رواحة الموري
01-23-2010, 06:42 AM
أخي أكرم أكرمك الله بالجنة
لقد جمعتَ في هذا الموضوع حسْن الاختيار والتنسيق , وجمال اللفظ والعرض ,
فكلام ابن الجوزي رحمه الله يحمل لفظا بديعا وهمة عالية في مثل قوله :
* فلو كان يتصور للآدمي صعود السموات ، لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض .
* و لو أمكنك عبور كل أحد من العلماء و الزهاد فافعل ، فإنهم كانوا رجالاً و أنت رجل . و ما قعد من قعد إلا لدناءة الهمة و خساستها .
* و إن الهمة لتغلي في القلوب غليانَ مافي القدور

فرحم الله ابن الجوزي رحمة واسعة
وشكر لك أخي أكرم مواضيعك المتميزة