المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقدمة في علم اللغة العربية للشيخ عبد الرحمن بن عوف كوني


الشاعر أبو رواحة الموري
05-18-2009, 07:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة في علم اللغة العربية
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - تسليماً كثيرا .
(يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ، (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) ( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما)
أما بعد :
فهذه كلمات يقال إنها محاضرة ثانية لهذه الدورة , وموضوع الحديث في أهمية اللغة العربية للمسلم ، فنتكلم أولاً على وضع اللغة في هذه العصور المتأخرة , وتصوير بعض اللغويين من أهل العلم قبل مائة سنة لهذا الوضع , يقول ذلك العالم :
(غير خاف أن روض اللغة قد مشَّـت لهذا العهد أنهاره , وذوت بعد النضارة أزهاره , وما ذلك إلا للإعراض عن إقراء متونها , وعيش الدرب في سهولها و حزونها , وهجرها كما تهجر اللئام , مع أنها كريمة الكرام , وكساء خواطر الأنام)
هذا وضع اللغة من قبل أزمان , فما بالك بعصرنا وزماننا هذا !! إلا أن اللغة ذات أهمية للمسلم , اللغة سواء كانت عربية أو غيرها , وكلامنا على العربية لما لها من ميزة فهي لا تقارن بغيرها ؛ لأنها أشرف اللغات وأسماها وأوسعها , فاللغة أوضح أداة إلى التعبير عن المقاصد , وقد قدر الله ـ جل جلاله - أن يكون كلامه الذي هو القرآن : عربياً , وبعث إلينا رسولاً عربيا، وهذه اللغة العربية لها سنن وطرائق أصيلة بمعرفتها وتطبيقها في النطق بهذه اللغة تكون لغة حقيقة لإفضائها إلى مراد المتكلم ؛ فيحصل التفاهم على الوجه الصحيح كما هو الشأن في كل لغة , والمسلم عربياً كان أو أعجميا بحاجة ماسة إلى فهم مراد الله تعالى , ومراد رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب والسنة اللذين هما بلسان عربي مبين , فبقدر ما يفقه المسلم العربية ؛ بقدر ما يصل إلى فهم مراد الله , وليس كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو بأبي وأمي كغيرهما من الكلام العربي ؛ فإنهما يشتملان على أحوال خصوصية تستفاد منها معان زائدة على أصل المعنى الذي يمكن أن يؤدى بغيرهما , فهذا الاشتمال على الأحوال الخصوصية ؛ هي بلاغة القرآن وبلاغة السنة النبوية , ومن هذا يدرك المتأمل أهمية معرفة اللغة العربية , لغة القرآن والسنة للمسلم ؛ ذلك لأن المسلم يهتدي بها - أي بهذه المعرفة للغة العربية - إلى الصواب في فهم المراد من الشارع , فيعبد الله على بصيرة وبينة , فيكون السعي والتعلم للعربية عبادة ؛ لأنها وسيلة إلى غاية عظيمة هي علة الحياة وسر الوجود.
تاريخ هذه اللغة :
هذه اللغة ممتدة الجذور إلى جاهلية العرب العرباء قبل الإسلام , وشاء الله - سبحانه وتعالى - أن تكون هي لغة الإسلام الذي بعث به نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم -
وقد مرت هذه اللغة بأطوار :
طور الجاهلية الجهلاء , وكانت اللغة في هذا الطور على الأصالة القوية , لم تشبها شائبة من غيرها , فكان الجاهليون العرب لا يعرفون إلا اللغة الفصحى في جميع أحوالهم ، وتقلباتهم , ومناسباتهم , وخطابهم , في الجد والهزل , والسلم والحرب , والمداعبة ، و المناصحة , والمحاورة , وفي الترفيه عن النفس وما إلى ذلك , فكانوا ينطقون بها فتجدهم على أصل هذه العربية مع ما كانوا عليه من الكفر؛ لأن اللغة قد خلقت هكذا ، فهي فيهم جبلية طبعية لا أمت فيها ولا شغى.
حتى جاء الإسلام وهي على وضعها الطبعي القوي القويم , وكان القرآن عربياً , والنبي عربياً , بعث إلى العرب وغير العرب لحكم من الله عظيمة والله يفعل ما يشاء , فارتفعت اللغة العربية بسبب الإسلام في قرءانه وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى آفاق من علياء البلاغة العربية لا عهد للعربية بها قبل الإسلام , فأضفى القرآن وكذلك السنة إلى اللغة ميزة لم تكن لها في الجاهلية , والقرآن والسنة محفوظان بتلك الميزات العربية العالية الغالية.
إلا أن الضعف بدأ يسري إلى هذه اللغة الشريفة بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عهد الخلافة للصحابي الجليل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، وهكذا تضاعف الضعف شيئاً فشيئاً لأسباب عدة , حتى بُدل الثوب الأصيل لنطق العربية الفصحى بالثوب الدخيل له العامية أو الدارجية , التي قال عنها بعض العلماء المحققين ممن تقدموا إنها - أي العامية- ليست من لغة العرب ؛ لأن العرب الأقحاح في عصر السليقة لم يكونوا ينطقون بها , ولذلك من كان لا يعرف إلا العامية فقط فإنه يكون في عُجمة من أساليب الكتاب والسنة , لا يدرك حقائقها , و تكون غريبة عليه .
وجوه من أهمية اللغة العربية الفصحى للمسلم المتعبد
قال الشافعي - رحمه الله - في الرسالة : فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده ، حتى يشهد به أن لا إله إلا الله , وأن محمداً عبده ورسوله , ويتلوَ به كتاب الله ، وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير, وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك .
وما ازداد من العلم باللسان , الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته , وأنزل به آخر كتبه : كان خيراً له . كما عليه يتعلم الصلاة والذكر فيها , ويأتي البيت وما أمر بإتيانه , ويتوجه لما وجه له . ويكون تبعاً فيما افترض عليه ونُدب إليه , لا متبوعاً . "هذا كلام الشافعي - رحمه الله - في الرسالة ".
حكم تعلم العربية وتعليمها :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع فتاواه الجزء الثاني والثلاثين , صفحة مائتين واثنتين وخمسين , قال - رحمه الله - : {ومعلوم أن تعلم العربية وتعليم العربية فرض على الكفاية , وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن , فنحن مأمورون أمر إيجاب أو أمر استحباب أن نحفظ القانون العربي, ونصلح الألسن المائلة عنه ؛ فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة , والاقتداء بالعرب في خطابها , فلو تُرك الناس على لحنهم كان نقصاً وعيبا - فكيف إذا جاء قوم إلى الألسنة العربية المستقيمة , والأوزان القويمة , فأفسدوها بمثل هذه المفردات ،- وقد أشار إلى هذه المفردات سابقاً-
قال : فأفسدوها بمثل هذه المفرادت والأوزان المفسدة للسان الناقلة عن العربية العرباء إلى أنواع الهذيان ، الذي لا يهذي به إلا قوم من الأعاجم الطـِّمـَاطِم الصميان ؟!! } انتهى كلامه رحمه الله . فاللغة ذات أهمية بالغة لطالب العلم الشرعي ؛ وذلك لأن هذه العلوم التي يطلبها مصبوبة في قالب العربية الفصحى , وتقدم أن العربية الفصحى هي لغة القرآن ولغة السنة , فلو صبت - هذه العلوم التي يطلبها الطالب - لو صبت في قالب العامية مثلاً لأخلـَّـت بهذه العلوم وأفسدتها , وهذا معلوم بأدنى تأمل ؛ وذلك لأن العربية وكذلك كل لغة لها أصولها وقوامها , وما انحرف عن تلك الأصول والقوام فلا يمكن أن يستعمل للإفهام كما يراد من العربية الفصحى , ولذا لا يمكن للطالب أن يرتقي لفهم معاني الكتاب والسنة إلا إذا ارتقى في فهم العربية وفقهها , ومعرفة الطالب للعربية قبل أن يعمد إلى تفسير الكتاب أو السنة خير معين له على فهمهما ؛ فإذا عمد إلى ذلك دون معرفة سابقة للعربية سيعود للعربية فيما استغلق عليه من أساليب الكتاب والسنة التي يريد فهمها ؛
لأن العربية والحالة هذه علم من العلوم , ولهذا العلم درجات ، فهناك علم للمختصرين أو لأصحاب الاختصار أو للمبتدئين , وهناك درجة علمية للمتوسطين ، وهناك درجة عالية للمنتهين , والانتهاء بالعلوم بحر في الحقيقة ؛ فالذي يريد أن يفسر الكتاب أو السنة أقل ما يطلب منه أن يعرف مبادئ العربية , وهذه المبادئ لا تكفي في معرفة كل ما سيعرض له من أساليب الكتاب والسنة , فلابد من العناية بمعرفة العربية إلى درجة يكون الناظر في كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا ينغلق أمامه كثير من ذلك , وإلا الرتبة المتناهية أو الرتبة العليا ذات فسحة و سعة ، كما هو الشأن في العلوم الشرعية , والعربية واسعة جداً حتى يقول الإمام الشافعي - رحمه الله - في الرسالة : [ إن العربية لا يمكن أن يحيط بها أو يعرفها إلى النهاية إلا نبي], إذا فما أدنى النهاية ؟!
ينبغي لطالب العلم , أو للمنتهين , أو للبالغين درجة عليا في العلم أن يعرفها [أي اللغة العربية ] , وإلا ما سيدركون من معاني الكتاب والسنة ما يريدونه بسهولة .
أثر عدم العناية بالعربية في هذه العصور وقبل هذه العصور:
يلاحظ المتأمل أن الغالب على المسلمين اليوم عدم العناية بالعربية ؛ لأسباب لا يمكن التعرض لها الآن ؛ وعندي على ذلك أمثلة كثيرة من بعض طلبة العلم , أو غير الطلبة من المسلمين , فمن الممكن أن نذكر مثالين , ولا أدري هل هذان المثلان يناسب المقام ذكرهما
فأحد المثالين ممن ينتسب إلى العلم ، والآخر ممن ليس بطالب علم , إنما يذكر مثل هذين المثالين لنعرف ما يفضي إليه عدم العناية بالعربية من آثار سلبية في المسلم .
مثال وقع في المدينة النبوية , وكنت صاحب قصته , ذلك أن بعض من يعرفني بالمدينة طلب مني أن أكون أحد الشاهدين في أمر في المحكمة - في المحكمة الكبرى - فاستجبت له , وذهبنا إلى المحكمة , ودخلنا على القاضي , لا أعرفه قبل ذلك و لا يعرفني , فسألني عن الهوية حسب الجاري من النظام ، فأعطيته إياها , فقلب صفحاتها يبحث عن اسمي فوقعت عينه على اسمي : ابن عوني ، فاستنكر! واستغرب ! قائلاً : ما يعرف مثل هذا الكلام ! وتعجبت منه مستغرباً أيضا وإنما تعجبي لأني وجدته قاضياً , فهو من أهل العلم على كل حال , له دراية ؛ لأنه تعلم فبلغ هذا المنصب ولا يمكن أن يصل إلى هذا المنصب إلا وقد درس الشريعة ، والشريعة وعاؤها لغة العرب , لغة القرآن , لغة النبي - صلى الله عليه وسلم - [هو بأبي وأمي], ولم يكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتكلم بغير هذه اللغة , فلما استنكر, تعجبت ! لأن مثل هذا ينظر, هل مثل هذه التسمية صحيحة عربية وجائزة شرعا ؟ ينظر إلى هذا ؛ لأن الأعلام كلها في الأصل لم تكن لأصحابها , بل نُقلت وأُطلقت على أصحابها ؛ إذاً فلا تقول أنا أستغرب هذا الاسم على فلان مثلاً ؛ فإذا استغربتَ مثلاً هذا الاسم ؛ إذاً فلك أن تستغرب أيضاً لو رأيت شخصاً قد سمي بمحمد ؛ لأنه كيف تعرف أن هذا الشخص وُضِع عليه هذا العلَم ؟ ما تعرفه إلا إذا أخبرك أن اسمه كذا , فهذه هي القاعدة العلمية , قاعدة الأعلام في لغة العرب , فالعَـلَـم قد يكون مضافاً , وقد يكون غير مضاف , وقد يكون جملة فعلية , أو جملة اسمية , هذا كله موجود في كلام العرب الفصحاء سابقاً , وكذلك في زمن السلف في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي القرون المفضلة , فهذا كثير جداً فكونه يستغرب هذا محل تعجبي , وإن دلّ هذا على شيء إنما يدل على قلة العناية بما في العربية , وإلا مثل هذا لا يستنكر ولا يستغرب ، لاسيما إذا كنت لا تعرفني من قبل ولا أعرفك من قبل , فما وجه الاستغراب ؟! لكن هذا إنما ذكرته مثالاً لعدم العناية بالعربية . هذا مثال .
ومثال آخر : هذا وقع لي أيضاً , وأنا صاحب القصة وذلك في وقت من أوقات الحج , ما أدري كم قبل كم سنة ؟ عشرة ؟ أو خمسة عشر؟ الكلام من مدة , من مدة لا بأس بها مضت , فهذا رجل أتى من بعض دول إفريقية الغربية , وكان مسئولا كبيرا في الدولة ؛ لأنه كان مديراً عاماً لأكبر بنك في عامة تلك الدولة , وكان مسلماً , فجاء في الحج واتفقا أن التقيت به في مِنَى ، وما كنت أعرفه فدلني أحد الأخوة عليه , فدار الحديث بيننا بعد ذلك .فكان مما سألني عنه أنه قال لي : هل أنت تعرف الفرنسية ؟ فقلت : لا أنا لا أعرف الفرنسية إلى هذه الدرجة , لا أعرفها .
فقال لي : يا حبذا لو عرفت الفرنسية ؛ لأن مثلك لو ذهب إلى إفريقية للدعوة فإنه سيدعو بلغة الإفرنج , ويجذب كثيراً من المثقفين الفرنسيين في تلك الدولة ؛ لأن البلاد الغربية كلها أو أغلبها مستعمرة فرنسية .
{فهو ذكر هذا من طيب قلب , صحيح إذا كنت تخاطب المثقفين باللغة التي تثقفوا بها ويعرفونها جيداً فإنه سرعان ما ينجذبون إلى دعوتك}.
فقلت له : هذا صحيح لكن ليس لي سبيل لتعلم الفرنسية الآن ؛ لأني مشغول بغيرها , لكن كلامك صحيح للدعوة ، هذا صحيح . ثم قلت له بدوري { جاءت النوبة إليَّ الآن , هكذا رأيت أن أسأله هو أيضاً } فقلت له : هل أنت تعرف العربية ؟ فقال : لا .
فقلت له : إذاً أنا أنصحك وأطلب منك أن تعرف العربية لنفسك أولاً , أنت طلبت مني أن أعرف الفرنسية للدعوة , وأنا أطلب منك أن تعرف العربية لتتعبد الله بها , وذلك لأنك ستصلي وستذكر الله وهذه الصلاة لابد فيها من عربية , وتأتي الأذكار وما أشبه ذلك , فسوف تتعلم العربية لهذا أولاً , لإسلامك أولاً , لا لأ تدعو بالعربية , لا لأن تدعو الناس بالعربية كما أمرتني أن أتعلم الفرنسية لأدعو الناس بها , لكن لنفسك , آمرك بتعلم العربية , ثم قلت له هذه نصيحتي , والآن أنا أسألك : هل أنت تعرف الفاتحة ؟
فما أجابني , ما قال أعرف أو لا أعرف .
وهذا شيء عجيب جداً مع أنه جاء للحج , وهو مسلم لا شك , لكن محل الشاهد عدم العناية بالعربية , والأمثلة كثيرة جداً جداً لكن هذان مثالان أتيت بهما ليُعرف ما في واقع المسلمين اليوم من عدم العناية بهذه اللغة الشريفة , وما لعدم العناية من آثار سلبية في المسلم . اهـ بتصرف .

عبد الحفيظ المقري الأثري
05-19-2009, 12:19 AM
مشاركة طيبة بوركت

أبوزرعه محمد الانصاري
12-04-2009, 02:40 PM
السلام عليكم ورحمة الله
بارك الله فيك اخانا أبورواحه الموري ونفع الله بك وحفظ الله الشيخ عبد الرحمن بن عوف كوني